للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من نعيم أهل الجنة]

الحمد لله الذي صرف هِمَّة أوليائه عن الركون إلى دار الغرور، فاغتموا بقاءهم في الدنيا بالأعمال الصالحة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والكرامات، وسلِّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وتقربوا إلى المولى بفعل الطاعات؛ تنالوا عنده رفيع الدرجات، فقد سمعتم في وصف الجنة ما لذَّ وطاب، وقد ورد في الحديث المتفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال صلى الله عليه وسلم: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين} أيها المسلمون! رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، من هم هؤلاء الرجال؟ أهم الذين أنشبوا أنيابهم في الدنيا، وانجرفوا في سيلها المغرق؟!

أم هم الذين يبيعون دينهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل؟!

أم هم الذين يخدعون ويغشون في المعاملات؟

أم هم الذين عاشوا على انتهاك الحُرُمات، واقتراف الكبائر، مثل أكل الربا، وارتكاب الزنا، واللواط، وشرب الخمور، واللعب بالقمار والميسر؟!

كلا والله يا عباد الله! إنهم رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وحُق لهم أن يسمَّوا رجالاً؛ لأنهم بخلاف المجرمين العُصاة المنحرفين، الذين يجرون أذيالهم وراء الشهوات، ويبيعون آخرتهم بدنياهم، حتى يوافوا القيامة بالإفلاس والخيبة والخسران، والعياذ بالله من ذلك.

أين أولئك مِن الذين لم تغرهم الدنيا بزخارفها البَرَّاقة، ولم تخدعهم بسرابها؟

أين أولئك الذين أشبعوا رغباتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهو يقول: {ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فهذا {عمر رضي الله عنه يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرى الحصير قد أثر بجنبه الشريف، فيقول وهو يبكي رضي الله عنه: يا رسول الله، الروم وفارس يجلسون على الحرير والديباج وأنت على هذا؟! ثم يرد صلى الله عليه وسلم بالرد المقنع الجميل: إنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فأين الاقتداء يا أمة الإسلام؟! أين الاقتداء يا عباد الله؟! لقد جرفت المدنية الزائفة الكثير، حتى ألجأهم الأمر إلى ارتكاب الديون، فيأتون بالفُرش والأثاث من بلاد بعيدة، كل ذلك يعود على التفاخر والتكاثر، والانهماك في الترف الذي هو السبب في نسيان الآخرة، ونسيان يوم القيامة.

عباد الله: {الكيِّس: مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز: مَن أتبعَ نفسَه هواها، وتمنَّى على الله الأماني}.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أيقظنا مِن سِنَةِ الغفلة.

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:٥٦] ثم يأمرك المولى جلَّ وعلا فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً يا رب العالمين، وسائر بلاد المسلمين عامة.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.

اللهم ارفع عنا البلاء، والوباء، والغلاء، والربا، والأمراض والأسقام، وعن جميع المسلمين أجمعين يا رب العالمين.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا بلاء، ولا غرق، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١].

عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:٩٠ - ٩١].

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.