عباد الله: تأملوا الصراط والميزان، وتقسيم صحائف الأعمال، إما باليمين أو بالشمال أو من وراء الظهر قال الله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}[الحاقة:١٩] هذا هو الأكبر يا عبد الله: {فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠] لأنه ما درس على شيوعي، ولا على ملحد، ولا على نصراني، بل درس على مؤمن تقي، علَّمه ما ينفعه في دينه ودنياه، أما الذين درسوا على الشيوعيين فقد علموهم علوم الطبيعة، فأنكروا وجود الله، وأنكروا قيام القيامة، وأنكروا الجنة والنار، فقلوبهم ممسوخة -والعياذ بالله- {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}[الحاقة:١٩ - ٢٣] ثم يقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:٢٤] هل ذلك في الفندق؟ أم في قصر الأفراح؟ في موضع ينتهي وقته وينتهي زمانه؟ لا.
بل في جنة الخلد لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، نعيمهم دائمٌ سرمدي {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:٢٤] أي: بما أسلفتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا.
ثم يأتي الصنف الثاني الذي يعطى كتابه بشماله، قد رسب في الامتحان الأكبر يوم القيام بين يدي رب العالمين، قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:٢٥ - ٢٨] المليار الذي يحارب به رب العالمين في كل مكان باستعمال الربا والقمار {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:٢٨ - ٢٩] ثم يقال للزبانية: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً}[الحاقة:٣٠ - ٣٢] تصور -يا عبد الله- هذه السلسة! وما ظنك بهذه السلسلة وهي سبعون ذراعاً بذراع الملك، لو وضعت حلقة من هذه السلسلة على جبلٍ من جبال الدنيا؛ لتركته تراباً!!
أيها الإخوة في الله: أوصيكم ونفسي المقصرة الظالمة بتقوى الله عز وجل، والرجوع إليه، فلنرجع -يا عباد الله- إلى أرحم الراحمين، ولنتب إلى أكرم الأكرمين، ولنجدد صلتنا مع الله، لعل الله أن يرحمنا وأن يعطينا كتابنا باليمين إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إنه على كل شيء قدير، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.