للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الصحابة رضي الله عنهم]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.

عباد الله: إن الله جلَّ وعلا اختار لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أصحاباً من خيرة الناس، وخصهم بمزايا لم تكن لسواهم من الناس أجمعين حاشا الأنبياء والمرسلين، وأثنى الله عليهم في كتابه المبين؛ تنبيهاً على جلالة قدرهم وعلو منزلتهم، وعظيم فضلهم وشرفهم، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١٠٠].

ثم يصف الله الصحابة رضي الله عنهم بشدة الرحمة ولين الجانب بعضهم لبعض، ثم هم أشداء على أعداء الله ورسوله من الكفرة والمعاندين، قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩] نعم -عباد الله- آخذين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً} أولئك الرجال الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؛ ليلتقوا بإخوانهم الأنصار أولئك الرجال الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، نعم أولئك الرجال الذين صدقوا في نصرة الله ورسوله، ويحبون من هاجر إليهم، فيوسعون لهم الدور والصدور {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩].

عباد الله: لقد كان الصحابة رضي الله عنهم أصبر الناس -بعد الرسل- على الأذى في الله، وهم الذين فتحوا القلوب بالقرآن والذكرى والإيمان، وفتحوا القرى بالسيف والسنان، وبذلوا النفوس النفيسة في مرضاة الله جل وعلا، فأي خطة رُشدٍ هم لم يستولوا عليها؟ وأي خصلة خير لم يسبقوا إليها؟ لقد وردوا ينبوع الحياة عذباً صافياً زلالاً، ووطَّدوا قواعد الدين والمعروف، فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً.

إذاً يا عباد الله! فلا يشك عاقل أنهم هم الذين حازوا قصب السبق، واستولوا على معالي الأمور من الفضل والمعروف والصدق والعفة، والكرم والإحسان، والقناعة وعلو الهمة، والنزاهة والشجاعة، والتقى والتواضع، وكثير كثير رضي الله عنهم أجمعين، أولئك الصحابة رضي الله عنهم الذين تخرجوا من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالسعيد والله ثم والله من تبع طريقهم المستقيم، واقتفى آثارهم، ونهج منهجهم القويم.