تأمل -يا عبد الله- مجيء جهنم وهي تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، قال الله تعالى:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}[الفجر:٢٣] الله أكبر! تصوروا -يا عباد الله- وقوفنا في ذلك اليوم، فسوف نقف فيه جميعاً اعتبر يا مسكين! ارجع يا مغرور فسوف نقف جميعاً، وليس هذا الكلام خاصاً للصحابة رضي الله عنهم، بل لكل من خلق الله على وجه البسيطة حتى الوحوش تحشر ويفصل بينها، يؤخذ للشاة الجماء من القرناء ثم يقال لها: كوني تراباً، وعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً.
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ}[الفجر:٢٣] يتذكر يوم القيامة، يوم لا تنفع الندامة، يوم لا تنفع الذكرى، وأين هذا التذكار يا عبد الله؟! أين هذا التذكار في الدنيا وأنت تسرح وتمرح وتقضي أوقاتك فيما يغضب رب العالمين؟! أين هذه الذكرى يا غافل؟! أين هذه الذكرى يا ميت القلب؟ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦]{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:٢٣] مستحيل يا عبد الله! وأنى له الذكرى؟ لا يستفيد من ذلك شيئاً.
عند ذلك إذا جيء بجهنم، فلا يبقى ملكٌ مقربٌ، ولا نبيٌ مرسلٌ إلا جثا على ركبتيه يقول: يا ربِ! نفسي نفسي فتصور ذلك الموقف المهيب المفزع الذي تشيب من هوله الولدان! تصور نفسك عندما يتبرأ منك الولد والوالد والأخ والصاحب! قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:٣٧].