للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علامة المجتمع الفاشل]

وعلى العكس -يا عباد الله! - من هذا المجتمع السعيد، مجتمع الفشل، وهو المجتمع الذي يتمادى فيه المفسدون بطغيانهم وإفسادهم، هو المجتمع الذي تنتكس فيه الأوضاع؛ فيصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، حتى إنهم في بعض المجتمعات المنهارة، والمجتمعات المنحطة، يسمون المتدين والمتمسك بدينه رجعياً متطرفاً.

ويسمون المتحلل من الدين، والمتحلل من الخلق القويم، يسمونه منطلقاً، ويسمون فعله انطلاقة وحرية، ألا بئست الانطلاقة، ألا بئست الحرية؛ يشربون الخمور؛ أم الخبائث ومفتاح كل شر، ويسمونها المشروبات الروحية، فبئس ما يصنعون!

ينادون المرأة المتحشمة المتمسكة بدينها، ويسمونها المعقدة المقيدة بالأغلال، ويريدونها أن تخطو الخطوة السريعة، وما هي الخطوة السريعة؟ وما أدراك ما الخطوة السريعة؟! هي أن تخرج في ميدان العمل، لتزاحم الرجال وتضرب إليتها إلية الرجال، ويلتمس كتفها بكتف الرجال، وتصافح الرجال في مجتمعاتهم، تخرج سافرة متعطرة متبرجة، عليها اللباس القصير، إنها دعوة إلى الجاهلية الأولى التي حاربها الإسلام، وقضى عليها.

إن من علامة فشل المجتمعات ظهور المنكرات وإعلانها؛ فإن امتلاء الأسواق والحوانيت والبيوت من الصور ذوات الأرواح، يعلن بعدم الغيرة الإيمانية، وبعدم الإحساس، وبعدم قبول ما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم به، إنه رسول الله، إنه الناصح الأمين، إنه الرءوف الرحيم بأمته، حذرنا أتم التحذير، بقوله: {لعنة الله على المصورين} ويقول: {أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة المصورون يقال لهم: أحيوا ما خلقتم} ويقول: {من صوَّر صورة كُلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ} ويقول أيضا: {يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان أزرقان يقول: وُكِلتُ بكل مصور وبكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، ثم يلتف عليهم ثم يقذفهم في النار} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

إن في تلك الأحاديث لعبرة لمن أراد أن يعتبر، وموعظة لمن كان في قلبه إيمان؛ إن التهاون بين الناس في أمر التصوير دليل على عدم الوازع الإيماني بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا نهوا عن ذلك قالوا: إنما التصوير بالآلة، فيقال لهم: إن الوعيد الذي جاء يصدق على صاحب الآلة؛ لأنه هو المحرك لها والمتصرف فيها كيف يشاء، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وفي الأثر: {إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمَّهم الله بعذاب من عنده} أجل، إن ظهور الخلاعات والصور القذرة التي ترسمها الأفلام السينمائية على الشاشة، وينظر إليها الرجال والنساء، وكأنها شيء مألوف، إن فيها الدمار والشر والعار، والفساد والسم الزعاف فهل من مدكر؟!

إن ما في الصحف والمجلات الرخيصة باسم القصة وتحت ستار الترفيه، فيه من استعمار الأفكار وانحطاط الأخلاق ما لا يحصره العبد.

وإن الشباب حين يقرءونها يتلقون منها دروساً في الإباحية والسقوط، وكل خبائث الغرب وأقذاره، فكل ذلك تقليداً لأعداء الإسلام، وتقليداً لأعداء الأخلاق، وتقليداً لأعداء الفضيلة، واندفاعاً وراء التيارات الهدامة، التي بزعمهم أنها مدنية، وما هي في الواقع إلا سلسلة من الإجرام؛ تجر على البلاد والعباد المصائب والدمار، تذكروا ما حدث في بلدة الأصنام في الجزائر، تذكروا ما حدث لمجاوريكم في اليمن، تذكروا ما حدث لـ أفغانستان؛ من الزلازل، إنها آيات يذكر الله بها العباد فهل من مستعتب؟!

أمة الإسلام: إن الذي نسمعه عنهم لداعٍ لنا إلى الانتزاع من المعاصي، وإلى البعد عن العذاب، إن البلاد المجاورة وهي تدور رحى الحرب عليها، والزلازل وانتهاك الأعراض، والقتل والسلب والعياذ بالله، فكل هذه الحوادث أسبابها الذنوب والمعاصي، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦] {وما ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:٥٧].

لقد حدث زلزال في المدينة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخطب وتوعدهم بقوله: [[لئن حدث ثانية لا أساكنكم فيها أبداً]] الله أكبر، هؤلاء عباد الله الذين يخافون من عذاب الله ومن نقمته ومن سطوته لما تزلزلت ضرب الأرض وقال رضي الله عنه: [[لئن حدث ثانية لا أساكنكم فيها أبداً]] وما ذاك إلا لتخوف أمير المؤمنين من الذنوب وما تجره من ويلات ومحن ومصائب، فما نزل ضر وبلاء وشدة إلا بسبب الذنوب وتنوع أساليب المعاصي، ولا شك أن العبد كلما أحدث ذنباً أحدث الله له عقوبة تتنوع وتتشكل حسب عظم الذنب وضخامة الجرم.

فاتقوا الله -عباد الله- وهلموا لتجديد توبة نصوحة، هلموا لنسأل الله العفو والغفران، إنه كان غفاراً، ولنبكِ يا عباد الله! الزموا بدموع الندم على ما فرطنا وما قصرنا فيه من حقوق الله، لنبادر بالتوبة النصوح إلى الله عَزَّ وَجَلّ، ومن تاب تاب الله عليه، والتوبة تجب ما قبلها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:٥٥].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.