[الإسلام يدعو إلى التوحيد بأنواعه]
جاء الدين الإسلامي بعقائد التوحيد التي يرتاح لها العقل السليم، ويقرها الطبع المستقيم، يدعو إلى اعتقاد أن للعالم إلهاً واحداً لا شريك له، أولاً لا ابتداء له، وآخراً لا انتهاء له {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى:١١] له القدرة التامة والإرادة المطلقة، والعليم المحيط، يلزم الخلق الخضوع له والانقياد والعمل بما يرضيه.
وذلك لامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وعدم تعدي الحدود، وذلك بسلوك الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
فأوضح السبل وأنارها، ونصب الأدلة والبراهين في الأنفس والآفاق، وحث العقول على النظر والاستدلال لتصل بالبراهين إلى معرفته وتعظيمه والقيام بحقوقه، فتراه تارة يلفت نظرك إلى أنه لا يمكن أن توجد نفسك، ولا أن توجد من دون موجد، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥] ويقول جل وعلا: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:٥ - ٧] وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨].
أما كون الإنسان موجداً لنفسه فهذا أمر ما ادعاه الخلق، وأما وجود الإنسان هكذا من غير موجد فأمر ينكره منطق الفطرة، ابتداءً ولا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل.
وإذا كان هذان الغرضان باطلان؛ فإنه لا يبقى إلا الحقيقة التي يقولها القرآن الكريم وهي: أن الخلق خلقه الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، هذه دلائل على خلق الإنسان.
وتارة يلفت تبارك وتعالى النظر إلى السماوات والأرض، فهل هم خلقوها؟ فإنها لن تخلق نفسها كما أنهم لم يخلقوا أنفسهم.
وتارة يفتح أمام العقل والبصر صحيفة السماء وما حوت من شمس مشرقة، وقمر منير، ونجم مضيء، فيقول تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:٦١] وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:٣ - ٤].
ثم يلفت النظر إلى الأرض وما فيها من أشجار متنوعة، وما فيها من جبال وقفار وسهول، قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:٤] فتشاهد عدة أشجار بعضها بجوار بعض في قطعة واحدة وتسقى بماء واحد، وقد جعل الله لكل شجرة جذوراً تمتص بها من الأرض ما يناسبها من الغذاء الذي به قوامها وحياتها، ثم بعد ذلك تنفتح تلك الأشجار المتجاورة كل واحدة منها عن ثمرة تخالف الأخرى في اللون والطعم والرائحة، ألا يدل هذا على وجود صانع حكيم؟! ألا يدل ذلك على وجود قادر مقتدر؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [البقرة:٢٤٨] أي: لدلالة وعلامة لمن آمن بالله العظيم الذي غلبت قدرته على كل شيء.
ومرة يلفت النظر إلى ما ينزله من السماء من الماء الذي به قوام الحياة، ولو شاء لجعله أجاجاً لا نفع فيه.
ومرة يتحدث عن وحدانيته وعن انفراده بالملك والتدبير وحده لا شريك له في ملكه، كما أنه هو المتصرف في خلقه يحكم فيهم ما يشاء ويفعل ما يريد، لا معقب لحكمه، لا يحتاج إلى هيئة أمم متحدة، ولا يحتاج إلى مؤتمرات كاذبة قال تعالى: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:٤١] وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:٩١] وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤] إلى غير ذلك من الأدلة.