للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف نعيم الجنة]

الحمد لله، الحمد لله الذي نصب الكائنات على ربوبيته ووحدانيته حججاً، وحجب العقول والأبصار أن تجد إلى تكييفه منهجاً، وأوجب الفوز بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادةً لم يبغ لها عوجاً، وجعل لمن لاذ به واتقاه من كل ضائقةٍ مخرجاً، وأعقب من ضيق الشدائد وظنك الأوابد لمن توكل عليه فرجاً، وجعل قلوب أوليائه متنقلةً في منازل عبوديته من الصبر والتوكل والإنابة والتفويض والمحبة والخوف والرجاء، فسبحان من أفاض على خلقه النعمة! وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه، وأسبغ على عباده نعمه الظاهرة والباطنة، وسخر لهم البر والبحر، والشمس والقمر، والليل والنهار، والعيون والأنهار، والضياء والظلال، وأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه يدعوهم إلى جواره في دار السلام، يدعوهم إلى جواره في دار النعيم واللذة والسرور، يدعوهم إلى جنةً عاليةٍ قطوفها دانية.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، أرسله رحمةً للعالمين، وقدوةً للعامِلين، ومحجةً للسالكين، وحجةً على العباد أجمعين، داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، يدعو الناس إلى الجنة ويحذرهم من النار، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل.

عباد الله: لقد سمعتم في الخطبة الماضية أوصاف القيامة، وما فيها من الأهوال والشدائد العظيمة والأمور المفزعة التي من شدتها تشيب الولدان، وتضع الحوامل حملها، وتذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت ففي يوم القيامة ينقسم الناس إلى قسمين: قسم إلى النار المحرقة، وقسم إلى الجنة التي لا يخرب بنيانها ولا يهرم شبانها ولا تبلى ثيابهم، ولا ينقطع نعيمهم، في جوار أرحم الراحمين.