[الموت وما بعده]
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واقنعوا من هذه الدنيا بالقليل، واعلموا أنكم سوف تنتقلون منها على رغم أنوفكم رضيتم أم سخطتم قريباً أم بعيداً، ولكن خذوا حذركم.
أيها الإخوة في الله: لا تغتروا فإنه قد اغتر من كان قبلكم حتى أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، وانتقلوا من الدنيا وهم يتأسفون ويتحسرون؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].
أجل يا عباد الله: استعدوا للموت قبل أن تناخ للرحيل الركاب، تنبهوا قبل هجوم هادم اللذات ومفرق الجماعات؛ إنه الموت الذي لا يستأذن على الملوك ولا يدخل من الأبواب، إنه لا يرحم صغيراً ولا يوقر كبيراً ولا يخاف عظيماً، ثم بعد ذلك القبر وما فيه من الأهوال، إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار.
بعد ذلك عباد الله: البعث والحشر وأهواله وأحواله الصعاب؛ من طول المقام وازدحام الأقدام والأجسام.
يوم القيامة لو علمت لهوله لفررت من أهل ومن أوطان
يوم تشققت السماء لهوله وتشيب منه مفارق الولدان
يوم عبوس قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشان
يوم يجيء المتقون لربهم وفداً على نجب من العقيان
ويجيء فيه المجرمون إلى لظى يتلمظون تلمظ العطشان
يابن آدم! لو رأيت أو تصورت ما يحل بك، وما يحيط بأرجاءك في ذلك اليوم العظيم لبقيت مصروعاً لما بك.
يابن آدم! أما علمت أن أمامك القيامة يوم الصاخة، يوم الطامة الكبرى، يوم القارعة، يوم الحاقة، يوم الزلزلة.
يابن آدم! أما علمت أن بين يديك يوماً يصم سماعه الآذان، ويشيب لروعه الولدان، يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها.
وترى الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور