[وصف النار في القرآن]
عباد الله! يقول بعض العلماء: ما ظنكم بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف عام لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، قد تقطعت أكبادهم جوعاً، واحترقت أجوافهم عطشاً، ثم سحبوا إلى النار وهم يطمعون في الشراب فلا يجدون إلا النار يُلقون فيها! {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:٧] يقول ابن عباس رضي الله عنه: تفور: [[أي لها شهيق مثل شهيق البغلة إذا رأت الشعير]].
هذه نار جهنم، إذا أقبلوا بالعصاة إليها يسحبونهم الزبانية {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ} [الملك:٧] تفور فوراناً تقلبهم كما تقلب الحبة في المقلى، نار قد ملأها الله غيظاً وحنقاً عليهم {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:٨] انظروا يا عباد الله! جهنم غاضبة لغضب الله عز وجل، تكاد تميز من الغيظ على عصاة الله، يلقون فيها أفواجاً أفواجاً، يقابلون بالتقريع والتوبيخ {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:٨] هل ينكرون؟! لا.
{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِير} [الملك:٩] فماذا عملتم؟ {فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:٩] يقولون ذلك لأنبياء الله ورسله، ثم يعودون باللوم على أنفسهم {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} [الملك:١٠ - ١١] يعترفون في جهنم، ولكن هل يفيدهم هذا الاعتراف؟! لا والله لا يفيدهم {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١١] هذا ما يقابلون به عند دخولهم النار، توبيخ وتقريع وإهانة وتنديم فتنقطع قلوبهم أسفاً، وتذوب أكبادهم كمداً وحزناً، ولكن لا ينفعهم ذلك.
فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم، وما أشد عقابهم، يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يقول الله جل وعلا: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:١٦] ولئن سألتم عن طعام أهل النار وشرابهم ما هو؟ فهو الزقوم.
وما هو الزقوم؟ الزقوم: شجر خبيث، مر الطعم، نتن الريح، كريه المنظر، يتزقمونه تزقماً لكراهته وقبحه، ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم فلا يسمنهم ولا يغني من جوع، في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم} قطرة من قطرة الزقوم الذي يشربونه في نار جهنم!
فإذا ملئوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع التهبت أكبادهم عطشاً، فلا يهيئ لهم الشراب وإنهم ليستغيثون ولكن بماذا يغاثون؟ {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف:٢٩].
ما هو المهل يا عباد الله؟ المهل: هو الرصاص المذاب يشوي الوجوه من شدة حره وبئس الشراب كما قال الله جل وعلا {بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف:٢٩] يشربونها على كره واضطرار شرب الهيم وهي: الإبل العطاش التي لا تروى من الماء.
فإذا سقط في أجوافهم ماذا يعمل؟! يقطع أمعاءهم فهو كالمهل في حرارته وكالصديد في نتنه وخبثه! قال الله تعالى: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:١٥] أسأل الله العافية في الدنيا والآخرة!
يا عباد الله! ما هذه المواعظ التي تتلى علينا ولكن أين القلوب؟ هل ماتت القلوب يا عباد الله؟! لا نرانا نزداد في طاعة الله أبداً ولا حول ولا قوة إلا بالله! وكالعادة نأتي إلى المساجد ونخرج، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اسمعوا يا عباد الله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:١٥ - ١٧] {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:٧٤] إنا لله وإنا إليه راجعون! ويل لمن كانت جهنم مسكنه يا عباد الله!
ثم إن سألتم عن لباسهم؛ فهو لباس الشر والعار {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:١٩] ما بالكم بجسم مسيرته ثلاثة أيام، وضرسه مثل جبل أحد!! هذه أجسام أهل النار، ثم تقطع لهم هذه الثياب {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:١٩] على قدر أبدانهم، ولا تقيهم حر جهنم بل تزيدها حرارة واشتعالاً، ولئن سألتم عن المدة فعذابهم مستمر دائم يقول الله: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:٧٥] أبلسوا من رحمة الله، نسأل الله العفو والعافية!
ثم تلك الجلود كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب الأليم، وكل ما خبت تلك النار زادها الله سعيراً، يرتفع بهم اللهب إلى أعلى جهنم ثم يعودون إلى قعرها {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة:٢٠] ثم يطلبون الراحة من جهنم، ثم يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩] فلا تجيبهم الملائكة إلا بالتوبيخ، ثم تقول لهم الملائكة: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:٥٠] هل يكذبون؟ لا.
ويقولون: بلى.
قد جاءتنا رسل ربنا، والقرآن، والسنة، والمرشدون والواعظون؛ ولكن ما لقلب بميت إيلام قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] جاءت الرسل بالأدلة الواضحات فيقولون: بلى.
فتقول لهم الملائكة: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٥٠] فلا يستجاب لهم، ولا يسمع لهم دعاء لأنهم لم يستجيبوا للرُسل حين دعوهم إلى الله وإلى عبادته في الدنيا، فإذا لم يجابوا وهم يتعاوون ويصطرخون ويدعون بالويل والثبور تمنوا الموت حينئذٍ فقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:٧٧] يطلبون الموت راحة لهم مما هم فيه من العذاب، فيرد عليهم خازن النار: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧].
ثم يتوجهون إلى رب العالمين ذي العظمة والجلال والعدل في الحكم والفعال فيقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:١٠٦ - ١٠٧] فيقول لهم أحكم الحاكمين: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨].
لقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {أن أهون النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل -أي القدر- ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً}.
ويقول صلى الله عليه وسلم: {يؤتى بأنعم أهل الدنيا -الذي كان يأكل ويشرب وينام مثل البهائم- من أهل النار فيصبغ في النار صبغة -أي: يغمس فيها- ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب} الله أكبر! نسي المأكل والمشرب والمنام والغفلة، أجل -يا عباد الله- إنه نسي كل نعيم مر به في الدنيا وقد غمس في النار غمسة واحدة فكيف به وهو مخلد فيها أبداً.
يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:١٦٨ - ١٦٩] ويقول ربنا جل وعلا: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:٢٣] متى هذه الأخبار؟ هل تقال لنا يوم القيامة؟ لا.
هذه موجودة في القرآن الآن، في رمضان نقرأ القرآن من أوله إلى آخره، ونسمع هذه الإنذارات، وتقرأ في فرائض الصلوات هذه الإنذارات {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:٢٣].
وأيضاً يقول رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:٦٤ - ٦٥] لا يجدون واسطة يخلصهم من الحجرة أو من السجن، يدخل في الليل ويخرج في النهار لا.
{لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [الأحزاب:٦٥] متى ذلك؟ {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:٦٦] يا رب! يا رحمن! رحمتك يا كريم! النار يا عباد الله! اهربوا من النار، اهربوا من النار إن كانت لكم قلوب واعية {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:٦٦] ماذا يقولون؟ {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:٦٦] ثم قالوا: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:٦٧ - ٦٨].
اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام نجنا من النار، اللهم أيقظنا من غفلاتنا، اللهم أيقظنا من رقداتنا، اللهم صحنا من سكراتنا سكرات الدنيا حتى نستيقظ لما أمامنا يا رب العلمين.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا صالح الأعمال التي ترضيك يا رب العالمين وتخلصنا بها من النار إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
اللهم ارحمنا، فإنه لا طاقة لنا بجهنم يا رب العالمين، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا، اللهم إنا نعوذ بك من نار جهنم فإنه لا طاقة لنا بنار جهنم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، يا من هو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، يا من هو أرحم بنا من أنفسنا، لا تجعل إلى النار مصيرنا، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.