ثم يحتملونك إلى قبرك وحيداً فريداً، ويصفون عليك اللبنات، ويا ليتهم يجلسون عندك ثانيةً أو دقيقةً في قبرك، ليروا ما أنت فيه من الظلمات ولكن يضعونك في صدعٍ من الأرض ثم يهلِّون عليك التراب، ثم بعد فراقهم -وأنت تسمع قرع نعالهم- يأتيك منكر ونكير، ويجدَّا في سؤالهما لك: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فتصور أصواتهما يا عبد الله! تصور أصواتهما عند ذلك السؤال! فإنه ليس سؤالاً من مدرس أو معلم في الدنيا، إنهم ملائكة لا يقبلون رشوة، ولا يقبلون واسطة تصور قول الله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم:٢٧] والله إنه سوف يقع بنا ذلك، فيا ليت شعري ماذا سيكون الجواب؟
فيا عبد الله: إن كنت مؤمناً فسوف تقول: ربي الله، ونبيي محمد، وديني الإسلام وهنيئاً لمن أجاب، وويلٌ لمن تلجلج في الجواب، والويل لمن قال: هاه هاه لا أدري فمن ثبته الله وأحسن الجواب قالوا له: انظر إلى مقعدك من النار، فقد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، ويأتيه من روحها وطيبها، وعنده عمله الصالح في صورة شاب حسن الثياب طيب الريح، يقول له: أبشر بالذي يسرك، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح.
وأما من تلجلج في الجواب، ولم يقل: ربي الله، وديني الإسلام، وونبيي محمد، بل قال: هاه هاه قالوا له: كذبت، ويضربانه بمرزبةٍ من حديد، ويفتح له باب إلى النار، ويأتيه من حرها وسمومها، وعنده عمله الخبيث بصورةٍ بشعةٍ، رائحته منتنة، ومنظره مزعج، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث.
فيا لها من حسرة! ويا لها من ندامة! ويا لها من عثرة لا تقال! وإذا أذن الله عز وجل بانقضاء الدنيا وزوالها، وماتت كل نفس، ولم يبق إلا الجبار جلَّ جلاله منفرداً بعظمته وجلاله وكبريائه يقول:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:١٦].