لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش فخلط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية، منهم عمر رضي الله عنه وبلغ الخبر أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وكان خارج المدينة فأقبل مسرعاً حتى دخل بيت عائشة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى، فكشف عن وجهه الثوب، وكب عليه وقبل جبهته مراراً وهو يبكي ويقول:[[طبت حياً وميتاً إنا لله وإنا إليه راجعون]] مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: [[والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها]] ثم دخل المسجد، وعمر يكلم الناس وهم مجتمعون عليه، فتكلم أبو بكر وتشهد وحمد الله، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر فقال: [[من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت ثم تلا قول الله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:١٤٤]]] فلما تلا أبو بكر هذه الآيات استيقن الناس كلهم بموته صلى الله عليه وسلم، فتلقاها الناس من أبي بكر رضي الله عنه فما يسمع أحد إلا يتلوها، قالت فاطمة رضي الله عنها:[[يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه]] فغسل صلى الله عليه وسلم في ثيابه وكفن وصلي عليه ثم دفن ليلة الأربعاء صلوات الله وسلامه عليه، وما مات صلى الله عليه وسلم إلا وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، أي مصاب أشد من هذا المصاب يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذا أصابتك مصيبة فتذكر مصيبتك بالحبيب صلى الله عليه وسلم، فكما سمعتم لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أكمل الله به الدين وأتم الله به النعمة وإن كان قد مات فشرعه والحمد لله واضح إلى يوم القيامة.
نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا ويوفقنا لاتباع هدي محمد، والحمد لله رب العالمين.