[حال الإنسان في ساعة الاحتضار]
تلك الساعة -يا عباد الله- ساعة نزول ملك الموت ليجتذب الروح من العروق والعصب، يا لها من ساعةٍ يا عباد الله! ينسى فيها الإنسان كل شيء، حتى المفاتيح التي كان مغلق عليها، كجده يريد شربة ماء ولا يفقهون ماذا يريد؟ يريد أن يقول: أتحلل من فلان، أو أؤدي حق فلان، أو أرد مال فلان الذي أخذت، أو أصلي الصلوات التي تركت، أو أؤدي زكاة مالي الذي منعت، ولكن لا يستطيع، بصره شاخص ينتظر خروج الروح؛ لأن الروح إذا خرجت يتبعها البصر، لذلك يُسنُّ تغميض عين الميت إذا خرجت روحه، اسمعوا إلى هذه اللحظة يصفها لنا كأنها رأي عين، كأننا جميعاً يفعل بنا هكذا.
كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني
وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني ولم أرَ الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هون
واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني
وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا كفني
وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني
وقال: يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطن
فجاءني رجل منهم فجردني من الثياب وعراني وأفردني
وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني
وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن
وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني
وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني
صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني
وأنزلوني إلى قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني
وكشف الثوب عن وجهي لينظرني وأسدل الدمع من عينيه أغرقني
فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقني وفارقني
الآن سكن في مسكن فرشه التراب، وصف عليه اللبنات، سبحان الله العظيم! انفرد بعمله إن كان صالحاً فهو له، وإن كان سيئاً فيا ويله من ذلك العمل السيء، ويا ويله من طول مكثه، نسأل الله العفو والعافية.
وقال: هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المنن