للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شعيب عليه السلام في أهل مدين]

يا أمة الإسلام! هذه تذكرة لكم يا عباد الله! يا أمة الإسلام! كل هذا في كتاب الله عز وجل تذكرة لكم.

وهذا شعيب عليه السلام أرسله الله إلى أهل مدين، وكانوا أهل تجارة وزراعة، وكانوا أصحاب رفاهية ونعيم، وقد كانوا على دين إبراهيم عليه السلام، ولكنه لم يطل بهم العهد حتى غيروا وبدلوا وكفروا بالله, وانحرفوا عن الصراط المستقيم، قد فشت فيهم منكرات عديدة، منها التطفيف في المكاييل والموازين، فكانوا يبخسون الناس أشياءهم ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد بعث الله إليهم شعيباً عليه السلام، فدعاهم إلى توحيد الله وذكرهم بعذاب الله، ونهاهم عن تطفيف المكيال والميزان، وأمرهم بالإصلاح وعدم الإفساد فآمن به قليل منهم وكذبه الأكثرون.

وقد كان هؤلاء المكذبون على غاية من الضلال والجحود، يقعدون على الطريق يصدون الناس الذين يأتون إلى شعيب عن الدين، ويمنعونهم من الإيمان به، ويتوعدونهم بأنواع التهديدات والوعيد، ولما ألح عليهم شعيب عليه السلام في الدعوة والموعظة جاهروه بالعداء، وادعوا أنهم لا يفقهون كلامه، ولا يعرفون غرضه، وتوعدوه بأنه لولا أن له أنصاراً لقتلوه، ثم هددوه وتوعدوه بالإخراج والطرد من القرية هو والذين آمنوا معه، إلا أن يعودوا في ملتهم ويدخلوا في دين قومهم، قال الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف:٨٨] وقال الله أيضا عن قوم شعيب: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٠].

إنهم أمة عتاة حمقى، ولقد كان من شدة حماقتهم أن يطلبوا من شعيب أن يسقط عليهم كسفاً من السماء إن كان من الصادقين في دعوته، فأخذهم عذاب يوم الظلة، بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام، حتى غلت مياههم من شد الحر، ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا تحتها للاستظلال فراراً من شدة الحر، فلما تكامل عددهم في ظلها تزلزلت بهم الأرض وجاءتهم الصيحة وأمطرت عليهم السماء ناراً تلظى فاحترقوا.

تلك سنة الله في خلقه، فاتقوا الله وأطيعوه، واحذروا من غضب الله وعقابه, ومن شدة نقمته, بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.