للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع التقوى والثمار المترتبة عليها]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الإخوة في الله! أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:١٠٢ - ١٠٣] فبتقوى الله عز وجل يجعل الله للمرء من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ويرزقه من حيث لا يحتسب، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].

وبتقوى الله عز وجل ييسر الله للمرء أموره، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤] وإذا رزق الله المرء التقوى فإنه يفرق بين الحق والباطل, والنافع والضار، ويمشي ويسير على نور الله عز وجل الذي من اهتدى به فلن يضل أبداً يقول تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٢].

بالتقوى تيسر الأمور، وإذا التزم الإنسان التقوى، وسار على نور من الله، فلا تسأل عن أحواله، فإن الله سبحانه وتعالى يلحقه بالسعداء، أما من أعرض عن التقوى، وأعرض عن الله عز وجل، وأعرض عن ذكر الله وصدَّ وابتعدَ عن الله فلا تسأل عنه بأي وادٍ هلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

موقف: إذا سار الإنسان في الحياة على تقوى الله عز وجل، فإنه في هذه الحياة يسير على نور من الله عز وجل، ثم إذا أتاه هادم اللذات، ومفرق الجماعات فإنه يموت على حسن الخاتمة، ويقال لروحه: أيتها الروح الطيبة! أخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

إذا استقام الإنسان على طاعة الله وآمن بالله فإن البشرى تنزل عليه عند هذا الموقف -أي: عند الموت- تبشره برضوان الله عز وجل قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠] لماذا؟ لأنه سار في حياته على تقوى الله عز وجل، لأنه اتخذ من التقوى مطية له أوصلته إلى رضوان الله عز وجل.

ومن تفسير التقوى عند العلماء، قال بعضهم هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وما أحسن ما فسرها به الإمام علي رضي الله عنه! حيث قال: [[الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والتزود ليوم الرحيل]] أربعة عوامل إذا التزمها الإنسان فهنيئاً له في حياته، وهنيئاً له عند موته، لنزول البشرى له من رب الأرض والسماوات.

أما من أهمل التقوى، ونزلت به سكرات الموت، فلا تسأل عن حاله -نسأل الله العفو والعافية- إذا كان قد أضاع عمره، في اللهو واللعب, وفي غير طاعة الله؛ فإنه عند ذلك يندم ويتحسر في ذلك الموقف عند خروج الروح، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] نسأل الله العفو والعافية.