للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التدارك والتوبة قبل الفوات]

عباد الله: إن ملك الموت موكلٌ بنا لا يغفل عنا ساعة، فمتى تم الأجل وانقضت المدة المعينة، هجم علينا هادم اللذات واستل الروح، وأخرجها من العصب والقصب، وظل الجسم منطرحاً يتمنى أن لو ازداد من طاعة الله، ولكن هيهات هيهات.

فاتقوا الله عباد الله قبل أن ينزل بكم هادم اللذات، قبل أن يشخص البصر، وقبل أن تلتف الساق بالساق، وقبل أن توضعوا في تلك الحفر، ثم تخلوا بأعمالكم إن كانت صالحة أو سيئة، فالفرق بين ذلك عظيم.

ثم بعد ذلك يأتي يومٌ تتشقق فيه السماء بالغمام، وتشخص فيه الأبصار لله الحي القيوم، وتشيب فيه الصغار، وتزفر فيه جهنم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك تحيط الأوزار، في ذلك اليوم العظيم ينصب الصراط، ويقرب العذاب، تشيب الصغار، ويشهد الكتاب، ويحضر الحساب، ويعظم العقاب، فيا له من يومٍ ما أطوله! ويا له من يومٍ ما أهوله! فكم من شيخٍ كبير فرط وأضاع عمره في غير طاعة الله، يصيح بأعلى صوته: واشيبتاه، واشيبتاه، واشيبتاه!

وكم من كهلٍ أو شاب اغتر في شبابه، فضيع أوامر الله ورسوله وارتكب المحرمات وترك الصلاة وبارز المولى بالمعاصي، حالقٌ للحيته، مسبلٌ لثيابه، متشبهٌ بأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، حياته مع الديسكو، حياته مع الموسيقى، حياته مع الغناء، قضى حياته دائماً مع المخدارت والمسكرات، يؤذي المسلمين في مرافقهم العامة حتى إذا جاءه الأجل وهو على هذه الحالة، فهو ينادي: واشباباه! {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥] {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:٢١].

عباد الله: أعدوا العدة لذلك اليوم، وخذوا الأهبة وتزودوا لذلك اليوم، فإن خير الزاد ليوم القيامة تقوى الله عز وجل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:٢٨].

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا ودعاءنا وتضرعنا بين يديك، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا ممن فازوا بجائزتك يا رب العالمين! اللهم لا تردنا خائبين، ولا من رحمتك يائسين، ولا من عطائك مفلسين، اللهم اجعلنا ممن يواصل العمل في حياته حتى ترضى عنه بعد وفاته يا رب العالمين! واجعل أعمالنا كلها صالحة، واجعلها خالصةً لوجهك الكريم، وتقبلها منا يا رب العالمين.

وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، وصلوا على رسول الله.