للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وصف النار وما أعده الله لأعدائه فيها]

عباد الله: لقد كرر الله سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال.

عباد الله: إن لجهنم سبعة أبواب ذكرها الله عز وجل بقوله: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:٤٤] ثم -يا عباد الله- تلك الأبواب مغلقة على أهلها، قال الله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:٨] يعني: أن تلك الأبواب مطبقة عليهم، فلا يفتح لها باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد.

وللنار شدة في حرها وزمهريرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا ربِ! أكل بعضي بعضاً فنفِّسني، فأذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سمومها، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه التي توقدون جزءٌ واحدٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، قال الصحابة رضي الله عنهم: والله إن كانت لكافية، قال: إنها فضلت عليها بتسعةٍ وستين جزءاً كلهن مثل حرها}.

ثم فيها -يا عباد الله- يذاقون أليم العذاب وشدته، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج:١٩] ما هو الحميم يا عباد الله؟ ماءٌ أوقد عليه حتى اشتدت حرارته وصار له غليان: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:١٩ - ٢٢] إنها النار يا عباد الله.

عباد الله: اتقوا النار، فإن حرها شديد، قد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعٍ وستين جزءاً، يصلاها المجرمون: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:٥٦] يرتفع بهم اللهب حتى يصل إلى أعلاها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم به تكذبون، عذابهم دائم: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:٧٥] يتكرر عليهم فلا يستريحون، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة فلا يجابون، يقولون لخزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩] فتقول لهم الملائكة: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:٥٠] فلم يستجيبوا لهم؛ لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله، فكان الجزاء من جنس العمل: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:١٠٦ - ١٠٧] فيرد الله عليهم على وجه الإذلال والإهانة: {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨] لا تنقطع أبداً إذا قال لهم الجبار: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨] فحينئذٍ ييئسون من كل خير، ويعلمون أنهم فيها خالدون، ويزادون بؤساً إلى بؤسهم وحسرةً إلى حسرتهم {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٧] {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:٦٥ - ٦٦] يقولون ذلك في جهنم: {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:٦٦] فعند ذلك لا ينفع الندم حين يساقون إلى نارٍ: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] نارٌ إذا رأت أهلها من مكان بعيد، سمعوا لها تغيظاً وزفيراً تتقطع منها القلوب {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:٧ - ٨] أي: تكاد تتقطع من شدة الغيظ والغضب على أهلها، فهي نارٌ حالقةٌ غضباء على أهلها وهم في جوفها، فما ظنكم أن تفعل بهم.

فيا عباد الله: اتقوا النار، احذروا أن تكونوا من أهلها، ولقد بين الله لكم صفات أهل النار، وصفات أهل الجنة جملةً وتفصيلاً، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار، اللهم اجعلنا من أهل الجنة ولا تجعلنا من أهل النار برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.