فضيلة الشيخ! عندما تتكلم يأتينا حماس للعمل والجد والاجتهاد، وعندما نخرج من المحاضرة نتقاعس، فما العلاج؟
الجواب
السبب هو أننا لا نواصل مجالس الذكر، فأضرب لك مثلاً يا أخي: اغرس نخلة واسقها أول مرة، ثم اتركها أسبوعاً، تجدها يابسة، ولا تستفيد هذه النخلة، والوعظ للقلب مثل الغيث للأرض بإذن الله، الغيث إذا نزل على الأرض أنبتت، وأحياها الله بهذا الغيث، فكذلك الوعظ ينبغي لك يا أخي أن تتعاهد قلبك، وإذا غفلت فأكثر من الاستغفار؛ كما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:{والله إني لأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة} فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستغفر في اليوم أكثر من سبعين مرة، فكيف نحن يا عبد الله؟ فعليك -يا أخي- أن تتعهد قلبك بالمواعظ، ومجالسة الصالحين، عليكم بحلق الذكر، ابحثوا عن حلق الذكر جزاكم الله خيراً ووفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، أحيوا هذه السنة التي اندثرت من بعض المساجد، فإنها لا توجد إلا قليلاً، نشطوا أئمة المساجد ليقيموا حلق الذكر.
والله إني سألت رجلاً وهو من أهل نجد، قلت له: كم أركان الإيمان؟ قال: والله لا أعرف، رجل من أهل نجد، هذه التي كانت تُدَّرس في المساجد قبل سنين قليلة وهذا يقول: لا أعرف كم أركان الإيمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وهذا يدل على بعد الناس وانشغالهم بالدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله!
فينبغي لنا -يا إخواني- أن نقلل من الإقبال على هذه الدنيا، ونقبل على الله عز وجل، ونثق تمام الثقة أن الأرزاق بيد الله عز وجل، ثم نثق أن رزق الله لا يأتي به حرص حريص، ولا ترده كراهية كاره، ثم نؤمن بوعد الله وبوعد رسوله صلى الله عليه وسلم أننا إذا عملنا كذا؛ فلنا من الأجر كذا وكذا، إذا آمنا بهذا وصدقنا، فإنه يكون عندنا الحماس والمبادرة إلى العمل.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كأنه أعتق عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكان في يومه في حرزٍ من الشيطان، ولم يأت أحد يوم القيامة أفضل منه إلا إنسان قال أكثر منه} هذا فضل عظيم يا عبد الله! وهي لا يحتمل وقتها خمس عشرة دقيقة.
ثم في حديث صحيح أيضاً:{من قالها عشر مرات، فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل} أو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سبحان الله وبحمده مائة مرة، تغفر لك خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر، ثم الذكر بعد الصلوات.
المهم -يا عبد الله- أن تؤمن بوعد الله وبوعد رسوله، ولا تنس العظيمتين، لا تنس الجنة والنار، لا تنس المنصرف الأعظم الذي لما دخل عمر بن عبد العزيز من صلاة العشاء وجلس في محرابه سمع له بكاء، واشتد بكاؤه حتى بكى أهل بيته، ثم بكى الجيران، فدخلوا عليه وسألوه: لماذا تبكي يرحمك الله؟ قال: ذكرت منصرف الناس يوم القيامة فريق في الجنة وفريق في السعير، فجعلت أبكي؛ هذا أمرٌ عظيم يا أخي! فريق في الجنة وفريق في السعير.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، وألا يجعلنا من أهل السعير، وأسأل الله أن يرزقنا إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا ويقيناً صادقاً، ويرزقنا إخلاص العمل لوجهه الكريم، اللهم ارزقنا إخلاص العمل لوجهك الكريم، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.