[وصف نعيم الجنة]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلوات ربي وسلامه عليه، ترك أمته على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم كما أمر الله بذلك المؤمنين فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ثم أبشروا معشر المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:١٨ - ٢٠].
اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار يا أرحم الراحمين!
أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، نعوذ بالله من الضلالة، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
إخواني في الله: إن موضوع الجنة والنار موضوع عظيم جد عظيم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! وأول ما نبدأ بوصف ذلك النعيم الذي أعده الله لمن أطاع، وإن كنا لن نحط بذلك الوصف ولم يحط به الواصفون؛ لأن الله جل وعلا قال في الحديث القدسي: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر} ولكن العلماء جزاهم الله خيراً أخذوا بعض تلك الأوصاف من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فيا عباد الله! سارعوا إلى الجنة دار السلام، قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:٢٥] نسأل الله من فضله الجنة، إي والله إنها دار السلام يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم!
قال بعضهم جزاه الله خيراً: يا عباد الله! هلموا إلى دارٍ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيها الأنهار المتنوعة، مما لذ وطاب، دارٌ جل من بناها، دارٌ طابت للأبرار، دارٌ تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، رياضها الناضرة مجمع الأتقياء المتحابين، بساتينها الزاهرة نزهة المشتاقين، خيام اللؤلؤ والدر على شواطئ أنهارها مبهجة للناظرين، فيها خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قد جمع الله لهن الجمال الظاهر والباطن من جميع الوجوه، أبكاراً عرباً أتراباً، كأنهن الياقوت والمرجان، قاصرات الطرف من حسنهن الذي قصر عن وصفه الواصفون، مقصورات في خيام اللؤلؤ والزبرجد عن رؤية العيون، إنها دار السلام، يتمتع أهلها بكرم الرب الرحيم، ينظرون بأبصارهم إلى وجهه الكريم، فإذا رأوا ربهم تعالى نسو ما هم فيه من النعيم.
ينادي المنادي في أرجاء الجنة مبشراً لأهلها بدوام النعيم سرمداً، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن يحل عليكم الكريم رضوانه فلا يسخط عليكم أبداً.
إنها الجنة دار السلام، إنها الجنة دار السلام، يتزاور فيها الأصحاب، ويلتقي فيها الأقارب والأحباب، ويجتمعون في ظلها الظليل، ويتعاطون فيها كئوس الرحيق والتسنيم والسلسبيل، ويتنادمون بأطيب الأحاديث متحدثين بنعم المولى الجليل، قد نزع من قلوبهم الغل والهم والأحزان، وتوالت عليهم المسرات والخيرات والكرم والإحسان، لمثل هذه الدار فليعمل العاملون، وفي أعمالها فليتنافس المتنافسون.