للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية اختيار الجليس الصالح]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, كما يحب ربنا ويرضاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله, اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله عز وجل.

عباد الله: إن كتاب ربنا جلَّ وعلا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيهما الحث على ما يحمي القلوب ويوقظها ويقربها من حضرة علام الغيوب, وفيهما النهي العظيم عن مجالسة الأشرار, فإن مجالسة الأشرار تعمي القلوب، وتصد عن ذكر الله، وتبعد عن الله عز وجل, لذلك فإن رب العزة والجلال نهى نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن مجالسة الظالمين, فقال وقوله الحق: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:٦٨] لماذا؟! لأنهم سمٌ يدخل في الأبدان, فالكتاب والسنة يأمران بأن نبتعد عن كل خلق ذميم خشية أن يقودنا إلى الهاوية, فالشرير لا يهمه إلا أن يكون جليسه مثله شريراً.

إن القرآن والسنة يأمران أن نبتعد عمن انغمس في العصيان وولّى وجهه نحو الشيطان, ويأمران أن نبتعد عمن غلب عليهم الجهل وتسلطت عليهم الأهواء, وإن أعظم مثال يصور لنا خطر جليس السوء ما حصل لـ أبي طالب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم, الذي كان يحميه من أذى المشركين، لما حضرته الوفاة وجعل يعاني من سكرات الموت, ويلفظ آخر أنفاس الحياة, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله} فماذا قال جلساؤه الأشرار؟ قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فعاد عليه الناصح الأمين محمد صلى الله عليه وسلم: {يا عمِّ قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله} فأعادوا عليه الكرة, وكرروا عليه التلقين وقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فماذا قال في النهاية؟ قال: هو على ملة عبد المطلب، فخرجت روحه على ملة الكفر والشرك والأوثان.

أيها الإخوة في الله: إنه لا أخطر على الإنسان من جلساء السوء, فاحذروا جلساء السوء, فكم من شاب تقي صالح أصبح الآن رهينة في السجون؛ بسبب جلساء السوء! وكم من شاب عفيف طاهر أصبح يبيع عرضه بقطعة حشيش، بسبب مجالسة جلساء السوء! كم من شاب كان صحيح العقل مستوي القامة ولكن بصحبة الأشرار وبما قدموا له من الحبوب والمخدرات أصبح الآن بصفة المجانين وفي غرفة يعيش وحده لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً, إنهم جلساء السوء, احذور منهم, احذروا -أيها المسلمون رحمكم الله- أن تجالسوا من ساءت أخلاقهم وفعالهم.

ولعل رجلاً يقول: أنا كبير السن ولا يؤثر فيّ جليس السوء, بلى، فقد أثروا على من هو في السبعين سنة، فجالسوه في بيته وحده وقالوا: لعلنا نأتي بالمخدرات ونبيعها نحن وأنت فإن فيها مكاسب, ولما قبض عليهم وأودعوا في السجن خرج يتوكأ على العصا بعد مدة طويلة قضاها في السجن, كل ذلك بمجالسة قرناء السوء, ومات في علته, نسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله حسن الخاتمة.

أيها الإخوة في الله: احذروا جلساء السوء، وحذِّروا أولادكم, وحذِّروا نساءكم, فكم من فتاة عفيفة شريفة أهدت إليها جليسة السوء شريط الفيديو؛ فأصبحت خبيثة داعرة, وأصبحت عاهرة شريرة, وأصبحت عاراً على أهلها وأقاربها, بسبب جليسة السوء التي أهدت إليها شريط الفيديو, فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكم من فتيان أرواحهم طيبة, وأجسامهم مستقيمة, وهم على طاعة الله يدأبون, ولكن سرعان ما تحولت نفوسهم الروحانية إلى نفوس شيطانية, بسبب مخالطة بعض المفتونين, ورموا بأنفسهم بين الموبوئين, وكم انحلت من أخلاق، وكم ملئت السجون بأناس لا يعرفون الشر ولكن بسبب مقارنة أهل السوء صاروا أهلاً لذلك, فاتقوا الله يا عباد الله! واحذروا جلساء السوء فإنهم شياطين وما أقبحهم من شياطين، يصدون عن الصراط القويم, ويدعون إلى سواء الجحيم.

اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, واجعلنا هداة مهتدين, اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اكفنا وإياهم جلساء السوء, اللهم أبعد عنا وعنهم جلساء السوء, اللهم أصلح ولاة أمورنا, اللهم ارزقهم البطانة الصالحة, اللهم أبعد عن ولاة أمورنا بطانة السوء, واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.

أيها الإخوة في الله: صلوا على الناصح الأمين, صلوا على من أرسله الله رحمة للعالمين, صلوا على محمد بن عبد الله الذي أمركم الله أن تصلوا عليه، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] , صلوا على من قال: {من صلّى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وأكثروا من الصلاة على رسول الله, فإنه قال: {إن صلاتكم معروضة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة} فأكثروا من الصلاة والسلام عليه, اللهم صلِّ على نبينا محمد, وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم, اللهم بارك على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين, لا إله إلا أنت ولا رب لنا سواك.

عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:٩٠ - ٩١] واذكروا الله العظيم الجليل؛ يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.