[التذكير بالقيامة وأهوالها]
أيها الإخوة في الله: تذكروا دائماً يوم القيامة، قفوا عند سماع تلك الأسماء العظيمة التي تهز القلوب هزاً، قفوا عند سماع الطامة، قفوا عند سماع الصاخة، قفوا عند سماع القارعة، قفوا عند سماع الحاقة، ثم تذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس! اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه} نعم.
جاء الموت بما فيه، جاء هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم الأطفال، ومرمل النساء، ثم تذكروا بعده ذلك اليوم العظيم، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: {جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد: إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]}.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض} وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه؛ أنا الجبار؛ أنا المتكبر؛ أنا الملك؛ أنا العزيز؛ أنا الكريم؛ فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا: ليخرن به}.
أيها الناس: إن يوم القيامة عظيم، لقد غفلنا عن يوم القيامة، لقد تناسينا يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجا} [النبأ:١٨].
يوم القيامة تفتح فيه أبواب السماء وتسير فيه الجبال، يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ} [النبأ:٣] يوم القيامة {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:٢٥ - ٢٦] ويلك أيها الظالم من ذلك اليوم العظيم.
يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} [طه:١٠٨] لأن الرحمن جمعهم على أرض مستوية؛ لا جبال فيها ولا وهاد ولا أودية، يسمعهم الداعي ويبصرهم الناظر وقد خرجوا من القبور سراعاً، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٤٣ - ٤٤].
{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُون * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:٦٨ - ٧٠].
تفكروا في ذلك اليوم، أنسيتم يوم القيامة؟ ما هذه الغفلة؟ وما هذا الإعراض؟ تذكروا يوم القيامة وما يحصل فيه من الوقوف حفاةً عراةً غرلاً، تذكروا ذلك اليوم الرهيب وما فيه من الكروب والهموم والغموم، وقد طال القيام واشتد الزحام، وكثر البكاء والنحيب، ونفد الدمع، وفر كل قريب من قريبه، وتقطعت الأنساب، والصلات، وقد جمعهم المولى في صعيد واحد.