للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفكر في الأرض وما عليها]

ثم انظروا -يا عباد الله- إلى الأرض التي مهدها الله لكم، وجعل فيها سبلاً، ثم أرساها بالجبال؛ لتكون مستقرة لا تميد ولا تتحرك إلا بإذن الله تعالى، ثم هي ميسرة، فكل العباد يمشون عليها، ويزرعون فيها، ويطلبون المعايش بأنواعها على هذه الأرض التي قال الله تعالى فيها: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:٣٠ - ٣٢] ما ظنكم -يا عباد الله- لو أن الأرض تميد بأهلها وتنكفئ وتنقلب بهم هل يرتاحون عليها؟ لا.

ورب العزة والجلال؛ ولكن قال جل وعلا: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:٣٢ - ٣٣] ويقول أيضاً: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:٧].

ثم انظروا إلى الأرض يا عباد الله! قال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد:٤] كل هذه الأصناف {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد:٤] ثم انظروا إلى النبات وإلى الثمرة، تجدونها مختلفة الأرض واحدة، والماء واحد، ولكن النبات باختلافه تختلف هذه الثمار بقدرة من؟! بقدرة الله الذي لا إله إلا هو، فمن تأمل ذلك -يا عباد الله- وعقل وتدبر؛ علم كمال قدرة الباري جل وعلا.

ومن آياته ما بث في الأرض من المخلوقات الكثيرة على اختلاف أشكالها وألوانها ولغاتها، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم:٢٠].

ولما خلق الله الخلق، خلق لكل شكل ما يناسبه من الزوجات، أما بنو آدم فخلق الله لهم زوجات من أشكالهم ومن أنفسهم، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].