بسم الله الرحمن الرحيم، وقد أعلنت قبل هذا في جلسة مع الإخوان أني لست مفتياً، ولكن هذا السؤال مرَّ بنا كثيراً ونسمعه من بعض العلماء جزاهم الله خيراً، وقد سمع السائل هذا -جزاه الله خيراً- الإجابة عليه في أثناء الكلمة التي مضت، ويعرف أن العلماء رحمهم الله يقولون: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وهذا شيء مجرب ومعروف، انظر الآن -كما قلت لكم سابقاً- أول ما يستقيم الإنسان تجد عنده رغبة؛ لأن الإيمان عنده قوي، فعنده رغبة، ويبادر إلى الأعمال، ثم لا يزال بمقارنة بعض الناس -نسأل الله العافية- الذين لا يعينونه على طاعة الله، يقولون له: يا أخي! الدين يسر، صحيح -والحمد لله- الدين يسر، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيقولون له: يا أخي! الدين يسر، صيام وصلاة وقيام، الحمد الله، فالله فرض علينا الفريضة، وإذا أدينا الفريضة يكفي، سبحان الله العظيم!
ثم هذا المسكين ينحط عزمه ويترك ما كان يعمل، تجد له في الصباح ورداً يقرأ القرآن، ويذكر الله ويسبح ويهلل ويحمد الله، وتجد بعض الإخوان أول ما يستقيم لا يخرج من المسجد إلا إذا طلعت الشمس، ثم يهون عليه هذا المسكين، ثم تجده في نهاية الأمر يتخلف شيئاً فشيئاً، ثم يعتذر بالجواب الذي أعطاه له السابق، ويقول له: يا أخي! الحمد لله الدين يسر.
وكما قلت لكم: إن الدين يسر ولله الحمد؛ لكن يا أخي أننا لا نرى في الصف الأول في بعض المساجد من أهل الخير الذين نحسن الظن بهم نعم، لا نجد هذا غالباً؛ إنا لله وإنا إليه راجعون! فلماذا؟ لأن بعض الإخوان يأتيه الشيطان يقول له: احذر الرياء! لأن الرياء يدخل وأنت لا تعرف، ثم المسكين يترك النوافل يقول: أخشى من الرياء، فترك العمل من أجل هذا القائل، وترك العمل للناس رياء والعياذ بالله فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
وبعض الناس يتصور في صورة شيطان والعياذ بالله ويقف حجر عثرة في طريق من أراد أن يهتدي، أو من أراد أن يلتزم الطريق المستقيم، ثم يأتيه بحجج واهية والعياذ بالله، ويبعده عن صراط الله المستقيم، أو يجلب عليه من أقاربه، ويقول: افطنوا لفلان ربما يوسوس، أو يصيبه خبل، إني أراه يجلس في المحاضرات، إني أراه يصوم الإثنين والخميس، حتى إن شاباً أتى إليّ وقال: إن أبي يضربني، لأني أصوم الإثنين والخميس، إنا لله وإنا إليه راجعون، يضربه حتى يفطر ولا يصوم الإثنين ولا الخميس.
فهذا -يا إخواني- من الردى والعياذ بالله، ومن عدم التعاون على البر والتقوى، فيجب على المسلمين جميعاً أن يتعاونوا على البر والتقوى، وإذا رأوا من التزم الطريق، يقولون له: يا مسكين! ما بلغت ما بلغ السلف الصالح ولو قليلاً، لو نرجع إلى سيرة السلف الصالح رحمة الله عليهم، لرأينا الفرق بيننا وبينهم واسع، فبيننا وبينهم بونٌ عظيم، أعندما تتقدم للمسجد أو تقرأ شيئاً من القرآن تكون متزمتاً أو متجمداً؟!
هذا والله من أسباب الخذلان والتخاذل والعياذ بالله، فيا أخي! لا تلتفت إلى دعاة السوء، ولا تلتفت إلى المعرضين الذين يريدونك أن تكون معهم في الانحطاط والعياذ بالله، بل شمِّر في طاعة الله عز وجل، واستعن بالله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
لو أمرك أبوك، أو أمك أن تعصي الله، وأن تبتعد عن طاعة الله، فلا تطعهما، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف، فعليك يا أخي! بمجالسة الصالحين والبحث عن حلق الذكر، والإكثار من قراءة القرآن، والإكثار من نوافل العبادات، والإكثار من ذكر الله عز وجل، وسوف تجد لذلك إن شاء الله ثمرةً طيبةً ويحيا قلبك بإذن الله؛ لأن الإيمان في القلب مثل الشجرة إذا تواصل عليها الماء، حيت هذه الشجرة ونمت، وإذا انقطع عنها الماء يبست، فعليك بما ينمي هذه الشجرة من مجالسة الصالحين، ومن حلق الذكر وكثرة القرآن، واحذر أن تجالس الذين قست قلوبهم، والذين لا هم لهم إلا النكت وكثرة الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسِّي القلوب، وأبعد القلوب من الله القلوب القاسية، أسأل الله أن يقوي إيماننا إنه على كل شيء قدير.