ثم تنتهي هذه الدنيا وننتقل منها إلى القبور، ثم ينفخ في الصور لقيام العباد ليوم القيامة، يقول رب العزة والجلال:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}[الزمر:٦٨ - ٧٠].
وقد ذكر هنا النفخة الثانية, وهي نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ثم يقبض الله أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت هو ملك الموت, وينفرد الحي القيوم الذي كان أولاً وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء, قال تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ}[الرحمن:٢٧] ثم يقول جل وعلا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}[غافر:١٦] ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:١٦] فقد زالت الملوك وزالت الرؤساء والأمراء, وبقي الواحد القهار ثم يكون أول من يقوم إسرافيل, فيأمره أن ينفخ في الصور نفخة أخرى, وهي النفخة الثالثة نفخة البعث قال تعالى:{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٨] أي: أحياءً بعد أن كانوا عظاماًَ ورفاتاً, صاروا أحياءً ينظرون إلى أهوال يوم القيامة, وما يكون فيه من الأمور العظام قال سبحانه:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}[التكوير:١ - ١٤] كل هذه الأهوال سوف تحصل في ذلك اليوم الرهيب الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع فيه الحوامل حملها, وتشيب فيه الولدان، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.