[يوم القيامة وما فيه من أهوال]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجلَّ حق تقاته.
عباد الله! تذكروا دائماً يوم القيامة لعل القلوب أن تلين وتَرْعَوِي، وترجع وتنيب إلى الله عزَّ وجلَّ.
عباد الله! تذكروا يوم يأتي كل واحد منا منفرداً بأحزانه وهمومه وغمومه، فالقلب خائف، والبصر خاشع.
ثم تذكروا عندما تقبل الوحوش منكسة رءوسها.
ثم تذكروا هذه الشمس التي تشرق وتضيء العالم عندما تكور، والقمر عندما يخسف به، والنجوم عندما تتناثر وتنكدر، والسماء عندما تتشقق بالغمام، وعندما تتفتح مثل الأبواب، لينزل من كل سماء ملائكتها؛ ليحيطوا بأهل الموقف.
ثم نتذكر يا عباد الله عندما تدنى الشمس على رءوس العباد، وانضاف إلى حرها كثرة الأنفاس، وازدحام الأجسام، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم، فمنهم من يبلغ منه العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى أنصاف ساقيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وانضاف إلى ذلك العطش وطول القيام، فلا نوم ولا راحة.
عباد الله! تذكروا عندما يتبرأ منكم الصاحب والقريب، والولد والوالد والأخ، وتقطعت الصلات والأنساب؛ لما في ذلك من المزعجات والقلاقل والأهوال التي ملأت القلوب من الخوف والفزع والرعب والذعر.
يُروى {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فنعس فتذكرت الآخرة، فبكت فسال دمعها على خد النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ بدموعها، فرفع رأسه فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرتُ الآخرة، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال: والذي نفسي بيده في ثلاثة مواطن، فإن أحداً لا يذكر إلا نفسه: إذا وُضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ أم بشماله، وعند الصراط}.
عباد الله! تذكروا تلك المواقف العظيمة وأنتم وقوف في ذلك العالم، وقد تغير عليكم سماؤه وأرضه، واجتمعتم بالأولين والآخرين على صعيد واحد، الله أكبر يا عباد الله! إنه يوم عظيم، قال فيه بعض العلماء:
مَثِّل لنفسك أيها المغرورُ يوم القيامة والسماء تمورُ
قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفورُ
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسيرُ
وإذا العشار تعطلت عن أهلها خلت الديار فما لها مغرورُ
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدورُ
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك أين نسيرُ
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمورُ
وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعورُ
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهورُ
اللهم ارحمنا بواسع رحمتك، اللهم ارحم وقوفنا يوم العرض الأكبر يا حي يا قيوم، اللهم ارحم عرضنا عليك يوم العرض الأكبر يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين، اللهم اجعلنا ممن يُعطى كتابه باليمين، اللهم آمن خوفنا يوم الفزع يوم الدين يا رب العالمين.
عباد الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، صلوا عليه وسلموا تسليماً، امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم ارحمنا إذا عرق الجبين، وكثر الأنين.
اللهم ارحمنا إذا حُملنا إلى القبور، ووضعنا في تلك اللحود، وصُفَّت علينا اللبنات، وحُثي علينا التراب، وتخلينا بها وحدنا، اللهم آنس وحشتنا في القبور، اللهم آنس وحشتنا في القبور، وارحم غربتنا فيها، وآمن فزعنا يوم الحشر والنشور.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين الذين يفسدون في الأرض ولا يُصلحون.
اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هُداة مهتدين.
اللهم واجمعنا ووالدِينا ووالدِي والدِينا وجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، في جنات الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين، ويا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عنا وعن جميع المسلمين عامة، يا رب العالمين.
عباد الله! استيقظوا من رقدتكم، أفيقوا من غفلتكم، أكثروا من ذكر الله، أقبلوا على الله؛ فإن أمامكم القيامة تحتاج إلى زاد واحد، وهو التقوى يا عباد الله، اتقوا الله يا عباد الله، ارجعوا إلى الله، والله ثم والله إنها أمور يؤسف لها عندما نرى المساجد بعد رمضان! كيف انهزمت تلك الصفوف؟! أين ذهبت تلك الصفوف يا عباد الله؟! ألا يراقبون الله؟! ألا يخافون الله الذي أمدهم بالنعم، الذي أمدهم بالصحة والعافية، ورزقهم وأوجدهم؟! ألا يتقون الله؟! ذكروهم يا عباد الله، ذكروهم وقولوا لهم: إن أمامكم هادم اللذات، سوف يهجم عليكم على غرة، ثم تُنقلون إلى القبور، وفي يوم من الأيام تُعرضون على جبار الأرض والسماوات، فكيف حالكم وقد أضعتم فرائض الله؟! فاستعدوا لذلك اليوم يا عباد الله، إنه يوم يشيب منه الوليد، وتضع الحوامل حملها، ويفر الولد من والده, والوالد من ولده، والزوجة من زوجها، والزوج من زوجته، والابن من أمه، والأم من ابنها، إنه يوم عظيم.
اللهم وفقنا للاستعداد لذلك اليوم، اللهم وفقنا للاستعداد لذلك اليوم.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.