أيها الإخوة: إن الدنيا مطية للآخرة، والمطية هي التي يركبها الراكب ويتخذها راحلة، والمطية يقضي عليها الإنسان حاجاته في الدنيا، فهذه الدنيا إذا استعملها الإنسان في طاعة الله وذللها لمرضاة الله، فإنها تكون له في ميزان حسناته يوم القيامة، وسوف يكون في قبره وعندما يبعث يوم القيامة أحوجَ ما يكون إلى تلك الأموال، إذا انقلبت حسنات ورآها في ميزان حسناته.
والإنسان إذا طلب منه الآن بذل شيء قليل لمشروع من المشاريع الخيرية، تثاقل عن ذلك، نسأل الله العفو والعافية، ولكن إذا رأى يوم القيامة ذلك الفضل العظيم، وذلك الجزاء الوافر، تمنى أنه أنفق كل أمواله في تلك المشاريع الخيرية، والأمر كما قال الله تعالى:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت:٣٥] فالنفس -أيها الإخوة- تحتاج إلى جهاد، فيجاهدها على فعل الخيرات وبذل المعروف في سبل الخير، وسوف يجدها يوم القيامة، وبعكس ذلك الذي يستعمل الدنيا في مشاريع الشر؛ فإنه سوف يجد ذلك يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة:٦ - ٨].
أيها الإخوة: إن الدنيا مزرعة للعبادة، والله سبحانه وتعالى خلقنا وأوجدنا في هذه الحياة لنستكثر من الأعمال الصالحة، ونحن في دار الابتلاء {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:١ - ٢] ليبلوكم أي: ليختبركم أيكم أحسن عملاً، أيكم أحسن العمل وأخلص العمل لله، واتبع في أعماله وأقواله وأفعاله نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان عمله وفقاً لكتاب الله وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكمله بالإخلاص لله رب العالمين.
فهذه الحياة الدنيا سوف يقضيها الإنسان إما بالأعمال الصالحة، وسوف يجد غب ذلك، وإما بالأعمال السيئة وسوف يجد ذلك {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:٤٦].