إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أيها الناس: اعلموا علم اليقين أن الساعة آتية لا شك فيها ولا ريب، ومصداق ذلك من كلام الله جل وعلا:{إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}[غافر:٥٩] بل ينكرون ويكذبون والعياذ بالله، فاسمعوا الوعيد الأكيد لمن كذب بالساعة، قال الله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً}[الفرقان:١١ - ١٤].
ثم اعلموا يا عباد الله! أن الله عز وجلَّ لم يُطلع أحداً من خلقه على علم الساعة، لا ملكاً من الملائكة مقرباً، ولا نبياً من الأنبياء مرسلاً، بل استأثر بعلمها وحده لا شريك له قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}[لقمان:٣٤] وقال جل وعلا: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:١٨٧].
وقد سأل جبريل عليه السلام نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال:{متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل} أنت جبريل، وتأتي بالوحي من عند الله، لو كان أحدٌ يعلمها لعلمت أنت يا جبريل، وسأخبرك عن أشراطها -وهذا في رواية البخاري - وفي رواية مسلم عن أماراتها، قال:{إذا ولدت الأمة ربها} وفي رواية مسلم: {إذا ولدت الأمة ربتها، وإذا تطاول رعاة الإبل في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله} ثم تلا نبينا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}[لقمان:٣٤] وأنا أشهد على ذلك أن الله عليم خبير، وصدق الله:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً}[النساء:٨٧].
وللساعة -يا عباد الله- آيات واضحة إذا ظهرت فإنه لا ينفع إيمان بعد خروجها، قال الله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}[الأنعام:١٥٨] إذا رأى الناس الآيات آمنوا وصدقوا ولكن لا ينفعهم ذلك، إذا خرج الدجال أو طلعت الشمس من المغرب، أو خرجت الدابة التي تَسمُ الناس، أو خرج من أشراط الساعة ما الله به عليم, فإن الناس حينئذٍ يؤمنون ويصدقون فعند ذلك لا ينفعهم الإيمان.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية السابقة: وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة، كما قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها} أي: كل من على وجه الأرض يؤمن، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأشراط الساعة وأماراتها، وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق يجب اعتقاده والتصديق به.