عباد الله! في هذه الخطبة نتحدث عن قوم أرسل الله إليهم رسولاً يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ولم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم: ألا وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن بنو آدم يعهدونه ولا يألفونه ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله، فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام قال الله تعالى:{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}[الأعراف:٨٠ - ٨١] نعم يا عباد الله! كانوا يرتكبون ذنب اللواط، الذنب الذي يغضب رب العباد، إنها لفاحشة يضيق بها الفضاء، وتأُج لها السماء، ويحل بها البلاء، فكشف حال وسوء مآل، وداء عضال، وقبح فعال، عيب دونه سائر العيوب، جريمة اللواط، عيب تموت به الفضيلة، وتحيا به الرذيلة، اللواط عمل مسبوب ووضع مقلوب، اللواط فاعله ملعون، اللواط خلقٌ فاسد، وشرف مسلوب، وعرض ممزق، وكرامة معدومة، وعاقبته زهري وجرب ذو ألوان.
إنها الجريمة الشنعاء، إنها الجريمة البشعة، إنها الجريمة القبيحة، إنها اللواط، إنها ركوب الذكور بعضهم على بعض، اللهم إن في هذه الفعلة الشنيعة من الخزي والعار ما لا تطيقه الطباع السليمة، إنه فعل أمة قديم عصرها، باق ذكرها، كثير شرها، وهي مشهورة ببلاد " الغور " بناحية حيال البيت المقدس بينها وبين بلاد الكرك والشوبك إنها أمة ترتكب هذه الفاحشة الشنيعة والجريمة الفظيعة علناً في نواديهم، ويذرون ما خلق الله لهم من أزواج ولا يبالون بمن يعتب ويشنع عليهم.
بالغ لوط عليه السلام في دعوتهم إلى توحيد الله عز وجل، وحذرهم من فعل الفاحشة وهي إتيان الرجال دون النساء، وبالغ في إنذارهم وتحذيرهم، وكان الجواب من أولئك العصاة الكفرة الفجرة على تلك النصائح أن قالوا:{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[النمل:٥٦] يقولون هذا ومقصدهم السخرية والتهكم بلوط عليه السلام، فلما أنذرهم بأس الله ونقمته ولم يلتفتوا إلى ذلك ولا أصغوا إليه بل شكوا فيه وتمادوا به؛ أرسل الله عز وجل إلى لوط عليه السلام ملائكة بصفة حسنة: جبريل، وميكائيل، واسرافيل في صور شباب مرد حسان وذلك محنة من الله واختبار لقوم لوط، فأضافهم لوط عليه السلام وهو خائف عليهم من قومه الذين يرتكبون جريمة اللواط.
وزوجته زوجة السوء العجوز الكافرة الخبيثة -زوجة لوط- أرسلت إلى قومها فأعلمتهم بأضياف لوط، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان يريدون أولئك الشباب المرد الحسان، فأغلق لوط دونهم الباب، فجعلوا يحاولون كسر الباب وذلك عشية ولوط عليه السلام يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ويقول لهم:{هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِين}[الحجر:٧١]{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ}[هود:٧٩] أي: ما يريدون الحلال، ما يريدون زوجاتهم أي: ليس لنا فيهن إرب {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيد}[هود:٧٩].
ولما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول خرج عليهم جبريل عليه السلام وضرب أعينهم بطرف جناحه فانطمست أعينهم يقال: إنها غارت، ويقال: إنه لم تبق لهم عيون بالكلية، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان عمياناً، ويتوعدون لوطاً عليه السلام إلى الصباح، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}[القمر:٣٧] وقد جاءت الملائكة للوط عليه السلام تبشره بفرج الله القريب وتأمره بالخروج من بين أظهر أولئك الكفرة الفجرة؛ لأن العذاب قد حان نزوله بهم، قال الله تعالى:{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ * وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}[الحجر:٦٥ - ٦٦] هذا المرسوم الملكي نزل من رب العالمين، اخرج يا لوط.
فخرج لوط عليه السلام ومن معه آخر الليل فنجى مما أصاب قومه، ولم يؤمن بلوط من قومه أحد، ولا رجل واحد، حتى امرأته أصابها ما أصابهم، وخرج لوط عليه السلام وبنات له من بين أظهرهم سالماً لم يمسسه سوء.