[أمور تقي الإنسان من النار]
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، الذي فيه البشارة والنذارة، وفيه الترغيب والترهيب وفيه الأمر والنهي، الأمر بما فيه السعادة والفلاح, والنهي عن ما فيه الشر والشقاوة، نحمده ونشكره الذي لم يتركنا هملاً ولم يخلقنا عبثاً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقو الله عز وجل وأطيعوه.
أمة الإسلام: لقد ناداكم القرآن بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].
أمة الإسلام: لقد أمرنا ربنا بهذا الأمر وهو: أن نحفظ الأنفس والأهل من الوقوع في النار التي أعدها الله لمن عصاه وعصى رسله، إنها نار جهنم التي يؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ثم أولئك الملائكة الذين هم في شدة الغلظة والقسوة على من عصى الله، في الأثر: [[أنهم إذا سحبوا العاصي إلى النار يقول لهم: ألا ترحموني؟ فيقولون له: إذا لم يرحمك أرحم الراحمين فلن نرحمك]] أو كما ورد في الأثر.
عباد الله: لنفكر ما هو الشيء الذي نفعله ونقوم به حتى ننجو من النار؟ ما هو الشيء الذي نقوم به لله حتى ينجينا من هذه النار؟ إنه خشية الله تعالى، خشية الله في السر والعلانية، وما هي خشية الله؟
هي التي تبعث العبد للعمل بما أمره الله ويجتنب ما عنه نهى الله عز وجل، ويأمر الأولاد والأهل بذلك، فإذ فعل ذلك وامتثل فقد صار من الذين قال الله فيهم في محكم البيان: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:١٢] فإذا حصل على هذا الأجر العظيم فقد حصلت له الوقاية من النار, وزحزح نفسه وأهله عنها, وفتح لنفسه ولأهله طريق الجنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].
ومن الوقاية من النار -يا عباد الله-: الإيمان الخالص بالله عز جل، إيماناً لا يخالطه شرك ولا يخالطه شك، إيمان يدفع إلى القيام بحقوق الله عز وجل.
ومن أعظم هذه الحقوق إقامة الصلوات الخمس بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها مع جماعة المسلمين في بيوت الله عز وجل، وتعلّم أحكامها وتعليم الأهل والأولاد لأحكامها وأمرهم بإقامة الصلاة في أوقاتها وحثهم عليها, والصبر على ذلك امتثالاً لأمر الله عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢] {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].
ومن الوقاية من النار: إعطاء الزكاة لمستحقيها الذين ذكرهم الله في محكم البيان.
ومن الوقاية من النار: أداء ما فرض الله على عباده من الصيام والحج والجهاد في سبيله.
ومن الوقاية من النار: الصدق في الأقوال وأداء الأمانة.
ومن الوقاية من النار: النصيحة وعدم الغش والبعد عن الخيانة، ومن الغش والخيانة: إدخال آلات اللهو على الأهل والأولاد من أفلام وأغانٍ وفيديو وسينما وتلفاز ومجلات وغيرها من أدوات الإلحاد والشر التي غزي بها المسلمون، وكذلك صور ذوات الأرواح التي طردت الملائكة عن بيوت المسلمين وأحلت مكانها السخط واللغو وكثرة الشتمات، كل من أدخل هذه في بيته فهو غاش لنفسه ولأهله ولأولاده، وسوف يوقف بين يدي الله عز وجل ويحاسبه على ذلك حساباً دقيقاً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].
أمة الإسلام: إن من الوقاية من النار: البعد عن جريمتي الزنا واللواط، والبعد عن شرب المسكرات بأنواعها، والبعد عن الشحناء والكذب والنفاق والخيانة، والبعد عن أكل أموال الناس بالباطل، والبعد عن أكل الربا، والبعد عن التعدي والظلم، والبعد عن اللعب بالقمار والميسر، والبعد عن جميع الموبقات التي تسبب للأمة الخزي والعار, والتأخر والاضمحلال، وتسبب زوال النعم، ثم هي بعد ذلك تهوي بمن ارتكبها في النار التي وقودها الناس والحجارة.
فالنجاة النجاة يا أمة الإسلام!! انتبهوا من هذا الرقاد وبادروا بالأعمال، بادروا بالأعمال الصالحات فإن الأعمار سريعة الانصرام، والأيام والليالي تمر بكم مر السحاب، وإذا تأملتم هذه الدنيا وفكرتم بها رأيتموها كالسراب، وصدق القائل في وصفها:
إذا امتحن الدنيا اللبيبُ تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
أعوام سريعة المرور، وشهور تتبعها شهور, وعبر بين ذلك ترى بالأبصار، ولكن أين أعين الاعتبار؟! {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] لقد غرت الدنيا قبلنا أقواماً وخدعتهم ورأيتم كيف تقلبت بأهلها الأحوال, وخدعتهم الآمال حتى وافتهم الآجال قبل أن يحصلوا على ما تمنوه من صالح الأعمال، فحاسبوا أنفسكم على ما كسبت من الذنوب والمعاصي الثقال، لقد جنينا على أنفسنا بالذنوب جناية عظيمة فلينوا قلوبكم بذكر هادم اللذات لعلها تلين، وعظوها بذكر القبر وفتنته فإنهما لحق اليقين، وذكروها: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:٤٠] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} [آل عمران:٣٠] {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [النحل:١١١].
اللهم أيقظنا من سِنة الغفلة, ووفقنا لاغتنام أوقات المهلة، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.