[دعوة موسى عليه السلام لفرعون إلى عبادة الله]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله عز وجل, يقول الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات:١٥ - ٢٥].
نعم.
يا عباد الله! إن موسى عليه السلام دعا فرعون إلى توحيد الله عز وجل, فقال فرعون منكراً وجاحداً: وما رب العالمين؟ فأجاب موسى عليه السلام {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء:٢٤] فأنكر فرعون رب العالمين, فأنكر فرعون الرب العظيم الذي قامت بأمره السماوات والأرض وما فيهن, وما بينهما من الآيات العظيمة, والمخلوقات الكثيرة, ثم قال فرعون ساخراً ومستهزئاً بموسى: ألا تستمعون؟
فذكَّره موسى عليه السلام بأصله وأنه مخلوق من العدم وصائرٌ إلى العدم كما صار آباؤه الأولون, فحينئذٍ بهت فرعون فادعى دعوى المكابرة فقال: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون.
فأخبره موسى بأمر الله عز وجل, وبين له أن الجنون إنما هو إنكار الخالق العظيم رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون.
فلما عجز فرعون عن رد الحق لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون, لجأ إلى الإرهاب فتوعد موسى عليه السلام بالسجن فقال: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:٢٩] فما أثرَّ ذلك بموسى, ولا تزعزع ولا رجع, بل بادر إلى الدعوة بعزيمة وجد وذلك بعون من الله جل وعلا, ولا يزال يأتي بالآيات الواضحات البينات وفرعون يحاول بكل مجهوداته أن يقضي عليها بالرد والطمس, حتى قال لقومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:٥١] وقال أيضاً: أنا ربكم الأعلى, قال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:٥٤].