[الأمر بأكل الطيبات وحفظ نعمة العقل]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيها المؤمنون: تمتعوا بما أحل الله لكم من الطيبات، واشكروه عليها بالقيام بطاعته، فإن الشكر سبب للمزيد، واسمعوا إلى الرءوف الرحيم، وهو يحثكم على الأكل من الطيبات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:١٧٢].
أيها المسلمون: إن الله جلَّ وعلا أنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نوراً وهدىً فيه آيات بينات، وسبل واضحات، من اتخذه إماماً وقائداً قاده إلى الجنة، وسعد في الدنيا وفاز في الأخرى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].
ومن ترك العمل بهذا القرآن، ومن ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل في الدنيا، وشقي في الآخرة، يقول الله جلَّ وعلا: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:٧٢].
أيها المسلمون: هذا العمى المذكور في الآية الكريمة سببه اجتراح السيئات، وفعل المنكرات، وارتكاب المحرمات، فإن المعاصي توجد في القلب ظلمة حقيقية، يشعر بها العاصي -إن كان له ضمير- كما يشعر بظلمة الليل البهيم، وتزداد هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تعلو وتكون سواداً في الوجه، وذلك الران الذي ذكره الله في القرآن، قال جل وعلا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤].
أيها المسلمون: إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، سبب لسقوطه من عين الله: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨].
ويقول جلَّ وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:٧٠] نعم.
الله عزَّ وجلَّ كرم بني آدم بكرامات كثيرة، وفي مقدمة هذه الكرامة: العقل.
إن العقل -يا عبد الله- نعمة كبرى، ثم يجني البعض من بني آدم على هذا العقل ويزيله بما حرم الله عليه من المسكرات، والمخدرات -نسأل الله العفو والعافية- وغيرها من العار والشنار التي ابتلي بها كثير من الناس، وتوعد الله فاعلها بالخزي في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى؛ لأن المسكرات وفي مقدمتها: أم الخبائث: الخمر هي رأس الخطايا، ودليل إلى النار وغضب الجبار.
المسكرات التي تيسر للعبد سبيل الفساد وتجعله يشتري الجنون بدل الرشاد.
المسكرات يشتري بها الجنون بماله الذي تعب فيه.
المسكرات يبيع بها كنزاً ثميناً، بل يجني عليه أكبر جناية، ألا وهو العقل الذي ركبه الله فيه، العقل الذي ميزه الله به عن سائر الحيوان.