[القضايا التي تعالجها سورة (ق)]
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه, واستمعوا إلى سورة ق, فهي السورة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها على المنبر يوم الجمعة، فإن هذه السورة تعالج أصول العقيدة الإسلامية والوحدانية والرسالة والبعث والنشور, إن هذه السورة رهيبة شديدة, شديدة الوقع على الحس, فهي بما فيها وما دلت عليه تهز القلب هزاً, وترج النفس رجاً, وتزيد فيها روعة الإعجاب, ورعشة الخوف.
ابتدأت هذه السورة بالقضية الأساسية التي أنكرها الكفار وتعجبوا منها غاية العجب, وهي قضية الحياة بعد الموت, والبعث بعد الفناء, ولكن هذه السورة لفتت أنظار المشركين المنكرين للبعث إلى قدرة الله العظيمة المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور من السماء والأرض, والماء والنبات, والثمر والطلع, والنخيل والزرع, وكل هذه براهين قاطعة دالة على قدرة العلي الكبير.
ثم انتقلت سورة (ق) تخبر عن المكذبين بالرسل من الأمم السابقة, وما حلَّ بهم من الكوارث والمصائب وأنواع العذاب, وفي هذا تحذير لمن بعدهم أن يحل بهم ما حل بالسابقين, ثم بينت سورة (ق) خلق الإنسان وما وكل به من الملائكة عن اليمين وعن الشمال, ثم بينت نهاية الأجل وما يحصل فيه وما يحصل عنده من سكرات الموت, ثم هول الحشر, وهول الحساب, ثم ما يلقاه المجرم في ذلك اليوم العصيب من أهوال وشدائد تنتهي بإلقائه في الجحيم, وبينت ما أعد الله للمتقين من النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يحول، وذلك جزاء من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب, فهم يلاقون بالتحية والسلام، يقال لهم: ادخلوا الجنة بسلام من العذاب والهموم والأكدار, ذلك هو يوم البقاء الذي لا انتهاء له؛ لأنه لا موت في الجنة ولا فناء, ومع ذلك لهم في الجنة من كل ما تشتهيه أنفسهم, وتلذ به أعينهم, ولهم كذلك مزيد على ذلك وهو النظر إلى وجه الله الكريم.
واختتمت السورة الكريمة بالإخبار عن صيحة الحق, وهي الصيحة التي يخرج الناس بها من القبور كأنهم جراد منتشر, ويساقون للحساب والجزاء, لا يخفى على الله منهم أحد, فيجازى كل واحد بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر.