يقول السائل: إنني ألحظ على نفسي أنني عندما أستمع الخطبة، أو الموعظة أجد نفسي متأثراً مدةً من الزمن، وبعد ذلك أعود على ما كنت عليه من المعاصي، فنرجو من فضيلتكم التكرم بوصف الداء والدواء والدعاء لنا بالهداية، جزاكم الله خيراً؟
الجواب
هذا يا أخي يرجع إلى بيئتك، البيئة الخبيثة، لو كانت صالحة ما رجعت لأعمالك الخبيثة، فالرجل الذي قتل تسعة وتسعين وجاء يستفتي الراهب، قال: أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ قال: لا.
ما لك من توبة، فكمل به المائة، فذهب إلى عالم، وسأله: هل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن عليك أن تخرج من بلدتك هذه فإنها بلدة سوء، فلما تاب وأقلع وأناب إلى الله، وخرج فاراً من بلدة السوء إلى البلدة الصالحة، فوافاه الأجل في الطريق -كما تعرفون الحديث الصحيح هذا- فنزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة يختصمون فيه، ملائكة العذاب تقول: ما عمل خيراً قط، وملائكة الرحمة تقول: تاب وأقبل على الله عز وجل، فكل واحد منهم يريد أن يأخذه، فنزل عليهم ملك بصورة آدمي وحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيها كان أقرب فهو منها، فقاسوا، فإذا هو إلى الأرض الصالحة أقرب، فقبضته ملائكة الرحمة.
فكثير من الإخوان يستقيم ويتوب ويرجع، ولكن بمجرد ما يجلس مع الزميل والصديق، فإنه ينعكس عليه الأمر -نسأل الله العفو والعافية- هذا يقول له: موسوس، بمجرد ما يأتي الصباح متأثراً بالخطبة، وإذا بشيطان الإنس واقفٌ له عند الباب: هاه أراك وسوست يا فلان، أراك قصرت الثوب، وتركت اللحية أو ما وجدت أمواساً، ثم المسكين يصدم ويرى أن التمسك بالدين عيب لأن الإيمان ما تمكن من قلبه، وإلا لو تمكن الإيمان من قلبه لصبر على هذه الفتنة ودعا هذا العاصي إلى الله عز وجل، فإن أجاب فقد هداه الله على يده، وقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم لـ علي رضي الله عنه وأرضاه:{فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ولكن هذا المسكين لم يفهم، فبمجرد سماع خطبة الجمعة، وبعد جلوسه مع هذا الزميل الخبيث ينحرف قبل أن يمضي عليه يوم.
فهذه يا إخواني بيئة السوء، وهذا الذي يضر الكثير الآن، الآن بعض الآباء يضرب ابنه إذا رآه يصوم الإثنين والخميس، والله إن شاباً أتاني يبكي يقول: انظر إلى ثوبي قصرته وضربني أبي حتى أطلت الثوب، بعض الآباء نقمة -نسأل الله العافية-
يا أخي! الإنسان يتمنى ويتمنى أن الهداية تُشترى، اشتراها بعض الناس بدراهم، وبعض الآباء يقف حجر عثرة في طريق الأولاد سواءً كانت أنثى أو كان ذكراً، حتى بعض البنات تجدها ملتزمة -نسأل الله أن يثبتنا وإياهن- فيجدن مضايقة من أهلهن في البيوت: الموسوسة المجنونة المتزمتة، وقد ورد في الأثر أنه في آخر الزمان يعير الرجل بدينه كما تعير الزانية بزناها فينبغي للإنسان إذا هداه الله أن يلتزم الصراط المستقيم، وأن يراقب الله عز وجل.
يا أخي من تعصي أنت؟! أنت تعصي الله عز وجل، لا تنظر إلى عظم الذنب، ولكن انظر إلى عظم من عصيت، إلى عظمة الله عز وجل، أو إذا أردت أن تعصي الله، فاخرج من بلاد الله، ولا تأكل من رزق الله، ولا تستظل بالسماء التي بناها الله، ولا تجلس على الأرض التي بناها الله، اخرج من أرض الله إن كان لك مخرج ومفر، وإلا فاعلم أنك في قبضة الله، وأنك لا تغيب عن الله طرفة عين، فاحذر أن يراك الله على ما يكره، وحاول وجد واجتهد على أن يراك على ما يحب، يا أخي هذه نصيحتي لك، ولا تلتفت لشياطين الإنس الذين هم عثرة في طريق المهتدين.