عبد الله: تفكَّر في خلقك! لقد خلق الله تعالى الإنسان من سلالة من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين.
أيها المسلمون: تفكروا في خلقكم، فقد خلقكم الله من ماء مهين، من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، ثم يستقر ذلك المني في قرار مكين، لا تعتريه شمسٌ ولا هواء، ولا حرٌ ولا برد، ثم يطوِّر الله هذه النطفة في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء يظل أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام وهي الأربعة الأشهر، أرسل الله تعالى إليه الملك الموكل بالأجنة، فينفخ فيه الروح ويصبح إنساناً بعد أن كان جماداً، فتبارك الله أحسن الخالقين.
هذا خلقك يا عبد الله! فارجع إلى نفسك، وتفكَّر في خلق الله لك {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١].
ولقد أرى الله عباده من آيات قدرته ما يكون آية للموقنين، وعبرة للمعتبرين، فقد خلق الله تعالى عيسى ابن مريم من أمٍ بلا أب، وأقدره على النطق في المهد، فتكلم بكلامٍ من أفصح كلام البشرية وأبينه، قال الله تعالى:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}[مريم:٣٠ - ٣٣] فما أبلغ هذا الكلام وأفصحه من صبيٍ في المهد! ولقد أخبر الله تعالى عن عيسى أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً، وأخبر أنه يبرئ الأكمه -وهو الذي يولد مطموس العين- ويبرئ الأبرص، وأخبر أنه يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم؛ كل ذلك بإذن الله تعالى.