الحمد لله رب العالمين، الذي أوضح سبل هدايته، وحرض أولياءه لطاعته وعبادته، فساروا على نهجٍ قويم، وواصلوا السير في طريقهم إلى رضوان الله، وخالفهم آخرون فاتبعوا أهواءهم وجاءهم الأجل المحتوم، وهم مفرطون، فصدق الله رب العالمين:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى:٧] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس! اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.
عباد الله! ما هذه الغفلة؟ وما هذا الإعراض؟ والبعض من الناس صار يعكف على آلات اللهو استماعاً ونظراً، والبعض من الناس ذهبت عنه الغيرة، وصار يرتكب المحرمات من الزنا واللواط أذهب عمره فيها، وانفد أمواله فيها، وصارت حياته حياة الأنعام، والبعض من الناس أذهب عمره في القيل والقال والغيبة والبهتان، والبعض من الناس أنهك حياته وأمواله في المخدرات والمسكرات وبعضهم باع محارمه بشيء من المخدرات والمسكرات، باع عرضه، حتى إن بعضهم ركب أمه ومنى بها لما فقد شعوره بشرب المسكرات.
نعم.
يا عباد الله! زيادة على ذلك ما ظهرت في الأزمنة المتأخرة من نساء كاسياتٍ عارياتٍ مفتوناتٍ فاتنات، كل هذا ظهر دون خوفٍ من الله جل وعلا، ومن جبار الأرض والسماوات، وما ذاك يا عباد الله إلا أن الإيمان قد نقص عند الكثير من الناس، فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، فأين الإيمان ممن تجرءوا على محارم الله ومعاصيه؟! أما علم أولئك أنهم سوف يهجم عليهم الموت، وسوف ينقلون إلى حفرٍ ضيقات، وإن من مات فسوف يرى في قبره ما قدم، إن كان من أهل الجنة فقبره روضة من رياض الجنة، وإن كان من أهل النار، فقبره حفرة من حفر النار.
يا عباد الله! ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أن نعيم القبر وعذابه حقٌ ثابتٌ لا مرية فيه ولا شك، ولا ينكر ذلك إلا ملحدٌ معاند، ثم لا يعلم مدة المكث في هذه القبور إلا الله عز وجل، فإذا تمت هذه المدة المقدرة لهذا العالم أمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ في الصور، قال الله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر:٦٨] يقومون من قبورهم لرب العالمين، تصوروا ذلك القيام يا عباد الله! حفاةً عراةً غرلاً فرادى كما خلقوا أول مرة، ليس معهم شيء سوى أعمالهم من حسناتٍ وسيئات.
عباد الله! إن أمر القيامة عظيم، وشأنها جسيم، وموعدها قريب.
أجل أيها العاصي ما الذي جرأك على أن تعصي الله، وأنت سوف توقف بين يديه يوم القيامة؟!