للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التمكين للدين وموت الرسول صلى الله عليه وسلم]

ثم لما استقر وأذن الله له بقتال الأعداء، وكان في المدينة ثلاث فرقٍ من اليهود، فقاتلهم رسول الله وأجلاهم عن المدينة وطهَّر المدينة منهم صلى الله عليه وسلم، وقاتل الأعداء أعداء الدين من قريش وغيرهم الذين كانوا يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فأظهره الله عليهم، وأيده بنصره وبالمؤمنين، ولما أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على المؤمنين، أراد الله أن يختاره إلى جواره في الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فابتدأ به المرض في آخر شهر صفر وأول ربيع أول، وخرج إلى الناس عاصباً رأسه، وصعد المنبر، فتشهد وحمد الله وكان أول ما تكلم به بعد ذلك أن استغفر للشهداء الذين قتلوا في غزوة بدر وأحد، ثم قال صلى الله عليه وسلم: {إن عبداً من عباد الله خيَّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله فلما قال صلى الله عليه وسلم تلك المقالة؛ فهمها أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فبكى، وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر} ثم قال: {إن أَمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام ومودته، ثم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس} ولما كان يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول اختاره الله لجواره، فلما نزل به الموت، جعل يدخل يده في ماء عنده ويمسح به وجهه ويقول: {لا إله إلا الله، لا إله إلا الله! إن للموت لسكرات} ثم شخص بصره نحو السماء وكان يوصي في تلك الحالة الحرجة في آخر أنفاسٍ يلفظها من الدنيا، وهو يقول: {الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم} ثم شخص بصره نحو السماء، وقال: {اللهم في الرفيق الأعلى} فتوفي صلى الله عليه وسلم، وخرجت روحه الشريفة، واضطرب الناس عند ذلك حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: [[أما بعد: فمن كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حيٌ لا يموت ثم قرأ قول الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠]]] فاشتدَّ بكاء الناس، وعرفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فغسِّل وكفُن صلى الله عليه وسلم في ثيابه، ودفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ليلة الأربعاء، صلوات الله وسلامه عليه.

مات وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً وأبداً وسرمداً إلى أن نلقاه على الحوض.

اللهم ارزقنا شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجمعنا به في دار كرامتك مع المؤمنين والصديقين والشهداء في جنات الفردوس الأعلى.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أمة محمد، أمة الإجابة، القابلة للحق الناهجة على الصراط المستقيم، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.