الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، ذي البطش الشديد والفعال لما يريد، لا تنفعه طاعة المطيع، ولا تضره معصية العاصي، بل هو الغني الحميد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعاملين بشيراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجلَّ واعلموا أن الله تبارك وتعالى أوجب طاعته وطاعة رسوله، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}[الأنفال:٢٠ - ٢١] ويقول جلَّ وعلا: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:٧] ويقول ربكم جلَّ وعلا: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:٣٢].
عباد الله: إن الله يأمر بهذه الآيات الكريمات، يأمر بطاعته وطاعة رسوله، وركَّب على ذلك السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، ونهى عن معصيته ومعصية رسوله، ورتب على ذلك من العقوبات ما لا يعد ولا يحصى، ولا يحد ولا يستقصى، ولهذا ختم الآيتين الأوليين بذكر شدة عقابه لمن عصاه ولمن عصى رسوله، وختم الآيتين اللتين في سورة النور بالوعيد، فقال:{فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:٦٣].
عباد الله: إن المعاصي هي التي تجر إلى الشقاء والبأس والنقمة، وأن الطاعات والأعمال الصالحة ذريعةٌ ووسيلة للصلاح والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، إننا نشكو من كثرة الحوادث والنوازل، ولا نفكر أبداً فيما يجر هذه الحوادث لنا وفيما يسبب تلك النوازل لنا؛ لأننا لا نعتني بكلام الله ولا بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نهتم بالأخبار التي نبهنا عليها وحذرنا منها في القرآن والسنة النبوية، ولم نهتم بما بُين لنا من النافع والضار، وذلك برغم ما ندعيه نحن المسلمين من حب الله ورسوله، ونسمع الآيات ونسمع الأحاديث تصرح بتحريم الحرام، والتحذير في الانتهاك في الحرمات، وكأننا لم نقصد في ذلك البلاغ، فللذنوب والمعاصي عقوبات تتنوع، وعلى قدر الجرائم تكون العقوبة، فتارة تكون العقوبة في الدين، وهي من أعظم العقوبات، وهي أن يحال بين العاصي المدمن على الذنوب وبين الإيمان، وبينه وبين حسن الخاتمة كما قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥] وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام:١١٠] ولكن العاصي لا يرى أنه مصابٌ في دينه، لا يرى أنه مصاب في دينه ولا يرى أن النكتة التي نكتت في قلبه من أثر المعاصي، فتزداد وتعلو حتى تصير كالران، كما قال تعالى:{وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام:١١٠].
وتارة تكون عقوبة المعاصي في الأبدان والأموال من خسف ومسخ وإهلاك، وأخذ على غرة وغفلة، اسألوا أهل اليمن هل جاءهم إنذارٌ قبل أن يأتيهم الزلزال، اسألوا أهل الخفجي هل جاءهم إنذار قبل أن تأتيهم الرياح المدمرة {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النحل:٤٥ - ٤٧]{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٧ - ٩٩].