للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

الحمد لله رب العالمين, أحمده سبحانه وأشكره, ولا أحصي ثناءً عليه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين, وقدوة للسالكين, رسم الصراط المستقيم, وترك أمته على المحجة البيضاء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

اتقوا الله عباد الله! واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان}.

عباد الله! اعلموا أن في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعلان بترك الواجبات, واستخفاف بحقوق رب الأرض والسماوات, وبظهور المنكرات وعلو الفسقة, وإن رفعة أهل المعاصي وذل أهل الطاعة موجب للعنة رب الأرض والسماوات, ومقت جميع الخلق لكم حتى الحيوانات, وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لنزع البركات, وموجب لحلول أنواع الأمراض والأسقام والهلكات, وتتسلط الأعداء وتجور الولاة؛ فماذا يرتقي بمرتكب المحذورات المعرض عن الإنكار تهاوناً وعدم مبالاة؟

أما سمع رب العالمين يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:٧٨] بماذا وبأي شيء لعنوا؟ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].

عباد الله! أما سمعتم بما فعل بالقرون الخاليات من أنواع التدمير والعقوبات, وما حل بهم من أليم العذاب والهلكات, التي نقلوا بها إلى نار الجحيم والحسرات, وحرموا بها بركة الأعمار والأرزاق؟

عباد الله! أما سمعتم بأنين عذاب الله لفاعل المحرمات, ولمن لم ينكر المحرمات؟ روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعقاب من عنده, قلت: يا رسول الله! أما فيهم يومئذٍ أناس صالحون؟ قال: بلى, قلت: كيف يصنع بهم؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس} ويروى في الأثر: {إذا أظهر الناس العلم، وضيعوا العمل، وتاحبوا بالألسن، وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمَّهم وأعمى أبصارهم}.

أيها المسلمون! الله جل وعلا يقول: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] ويقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {ولا ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاءهم} وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: {إن رسول صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف, وانهوا عن المنكر, قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم}.

ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: {يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا} صدق رسول الله فقد ظهر الهربز, والإيدز, والزهري, والسرطان, والسل, كل ذلك بسبب الذنوب والمعاصي, ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان, ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا, ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سَلَّط الله عليهم عدوا ً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم, وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم}.