للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشدُّ الناس بلاءً

فيا عباد الله: لقد جرت سنة الله في عباده المؤمنين أن يبتليهم ابتلاءً يقوى بقوة الإيمان، ويضعف بضعف الإيمان.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {أشدُّ الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء} يبتلي الله المؤمنين ابتلاءً ليس ابتلاء إهانة أو تعذيب، فحاشى حكمة الله وعدله، ولكنه ابتلاء تمحيص وتهذيب قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤١] وذلكم الابتلاء لأسرار وحكم بالغة: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:٧] {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥] والفتنة هنا بمعنى: الامتحان والاختبار اللذين يظهران حقيقة من يدعي الإيمان على وجه الحق والصدق؛ ومن يدعيه تقيةً ونفاقاً ليحصل على ما لأهله في صف المسلمين من حرمة وتقدير، يقول الله جلَّ وعلا: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:١ - ٣].

والله جلت قدرته وتعالت أسماؤه يعلِّم عباده أن الإيمان ليس مجرد دعوى أو أمنية فحسب، ولكنه حقاً ذو تكاليف وأمانة، ذو عبء وجهاد، ذو صبر وتحمل، لا يحملها إلا من في قلوبهم تجرد لها وإخلاص، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، ويتركوا هذه الدعوى حتى لا يتعرضوا للفتنة، بل يثبتوا لها، ويخرجوا منها صافية عناصرهم، خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب فتفصل بينه وبين العناصر العالقة به.

أيها المسلمون: مما تقدم يعلم: أن عبء الإيمان كبير وأن تكاليفه شاقة إلا على القلوب المؤمنة بالله إيماناً راسخاً، والمتقبِّلة لتكاليفه بطواعية ورغبة فيما عنده، وما وعد الله به المؤمنين من نصر وعز في الدنيا وثواب مضاعف في الآخرة كما قال جلَّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:٣٠] متى تتنزل عليهم؟ تتنزل عليهم عند حالة الاحتضار وعند نزول ملك الموت قال تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٠ - ٣٤] والخلاصة: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:٣٥].

ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره} نعم أيها المسلمون! عبء الإيمان شاق وكبير، ولكنه سهل ويسير على من يسره الله عليه، سهل على النفوس التي تعرف أن عبء الإيمان كبير، وأن جزاءه ومثوبته أكبر وأجلُّ عند الله، الذي يجزي على الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف.

فيا أخي المؤمن! إنك وأمثالك من المؤمنين في هذه الحياة معرضون لألوانٍ من الابتلاء والاختبار بخير أو بشر، بخير كالمال والصحة والولاية؛ ليرى هل تؤدي حق الله فيها بما أوجب عليك وأتمنك عليه؟ وهل قصرت النفس حال الصحة والابتلاء على المأمورات، وأمسكت بعنانها عن ارتكاب المنكرات؟ وهل أديت حق الله فيما استخلفت عليه من مصالح المسلمين؟ هل أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر؟ حتى تكون من أهل التمكين في الأرض الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١].

أيها المؤمنون بالله حقاً! اعلموا أن الله عز وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير، بعض الناس يقول: لو كان الله يحبني لأعطاني مثلما أعطى بعض الناس من الملايين، والصحة والعقارات، لا يا أخي! إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فاظفر بالدين وتمسك بالدين، حتى تحشر مع المتقين.