للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التقوى طريق للفرحة الكبرى في الحياة الأخرى]

إخواني في الله! هو زادٌ واحد؛ هو أن تلتزم بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأبشر بهذه الكرامة أخي في الله؛ كرامات في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر، ويوم البعث والنشر، وفي ذلك اليوم، يوم أن تقوم إلى جنة عرضها السماوات والأرض، تصور الفرحة أخي في الله، تصور الفرحة يوم يساقون إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ماذا يقال لهم وهم يستقبلون، قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٦ - ٤٧].

تصور أخي في الله الفرحة في ذلك اليوم العظيم، إنها والله فرحة لا يماثلها فرحة أخي في الله، فرحة عظيمة وقبلها تلك الفرحة يوم أن يعطى كتابه باليمين، ويوم أن تثقل موازينه، ويوم أن يبيض وجهه، ويوم أن يطمئن قلبه، لأنه تحقق له وعد الله الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:٧٢] تحقق له وعد الله جل وعلا يوم أن أخذ كتابه بيمينه، قال الله جل جلاله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:١٩ - ٢٤] وماذا أسلفوا في الأيام الخالية؟ وما هي الأيام الخالية؟

أسلفوا في الأيام الخالية توحيد الله سبحانه وتعالى، فأفردوا الله بالعبادة، وأخلصوا الأعمال لله الواحد القهار، واتبعوا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، أقاموا الصلاة، آتوا الزكاة، صاموا رمضان، حجوا بيت الله الحرام، بروا بالوالدين، وصلوا الأرحام، أمروا بالمعروف، نهوا عن المنكر، فعلوا الخيرات، فلذلك وجدوها في ذلك اليوم العظيم.

والأيام الخالية هي أيام الدنيا، عملوا فيها قليلاً فجزاهم الله على ذلك الفضل العظيم، فما أعظم الفرحة يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! يوم أن يرفع الكتاب فرحاً مسروراً: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:١٩ - ٢٤].

ثم سمعتم بماذا يقابلون يا عباد الله؟! يقول الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:٤٦].

ثم يخبر الله جل وعلا فيقول سبحانه وبحمده: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] ومع ذلك في تلك الجنة: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَب} [الحجر:٤٨] ليس فيها تعب، فهي دار السرور والبهجة والحبور، دار اللذة والنعيم، ثم يقول الله جل وعلا: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:٤٨] بخلاف منازل الدنيا، إذا لم كان مستأجراً يأتيه صاحب العقار ويقول: اخرج فقد انتهت المدة، لكن بعض الناس يرفع رأسه يقول: أنا في ملك والحمد لله، لا يأتيه صاحب العقار ويقول: اخرج عن الدار، فنقول: يأتيك هادم اللذات ومفرق الجماعات، ويخرجك من الدار، من بين الأهل والأولاد والأحباب، وتسكن في حفرةٍ تصف عليك فيها اللبنات، ويحثى عليك التراب وتتخلى فيها وحيداً فريداً.

أما الجنة فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:٤٨] نسأل الله من فضله الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة يا رب العالمين.

إخواني في الله! اسمعوا ماذا أعد الله لهم في الجنة، يقول الله جل وعلا، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا ممن يستمع هذا النداء: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:٦٨ - ٦٩] يقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧٠ - ٧١] ثم قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف:٧٢ - ٧٣].

ثم ينادي منادٍ -أيها الإخوة في الله- ويفرح المؤمنون يوم أن يسمعوا هذا النداء، يقول المنادي -إخواني في الله- كما أخبر الصادق المصدوق نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي منادٍ: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تناموا فلا تبأسوا أبداً} الله أكبر!

ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مخبراً عن ربه سبحانه وتعالى: {يقول الله جل وعلا: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال: اقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧]} وماذا كانوا يعملون؟ اقرأ أول الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:١٦] وقال في سورة أخرى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨].