[نعيم أهل الجنة]
ثم يخبر الله جل وعلا عن وصف نعيمهم في الجنة فيقول جل جلاله: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} [الدخان:٥٣] ثم يخبر الله عز وجل أنهم في ذلك المكان في غاية من الأمان، فيقول جل وعلا: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:٥٦].
أما الدنيا: فلو لم يكن فيها إلا الموت لكفى به منغصاً يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الموت ينغص على أهل الدنيا معايشهم، ويكدر صفوهم، الموت الذي طالما غفلنا عن ذكره، وطالما نسينا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {أكثروا ذكر هاذم اللذات} الموت يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! نسأل الله حسن الختام إنه على كل شيء قدير.
لكن أخي في الله: تذكر ما الذي تخرج به من الدنيا بعد الموت إذا خرجت الروح؟ هل تخرج بالأموال والعقارات والأهل؟ لا.
لا تخرج إلا بالعمل أخي في الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر وقال: {إذا مات الميت تبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، يرجع الأهل والمال ويبقى العمل}.
أما الجنة فليس فيها موت -نسأل الله الجنة- اللهم إنا نسألك الجنة يا أرحم الراحمين!
ويخبر الله جل وعلا أيضاً بما أعد لهم في الجنة فيقول سبحانه وتعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:١٧ - ١٨] ومع ذلك: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:١٩] هذه عيوب خمر الدنيا، فيه صداع وفيه نزيف، أما خمر الجنة: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:١٩] ومع ذلك أعد الله لهم في الجنة {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:٢٠] وأيضاً: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:٢١] وأيضاً {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٢ - ٢٣] لكن بماذا حصلوا هذا؟ قال الله جل جلاله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة:٢٤] ينادي المنادي في ذلك اليوم العظيم {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:٤٠] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦].
ينادي المنادي: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:٦٨ - ٦٩] اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!
أيها الإخوة في الله: بعض العلماء وصف الجنة بما ورد في الكتاب والسنة من الأوصاف، أو كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه جل وعلا: {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر}.
فمن أوصاف الجنة التي وردت في الكتاب والسنة، قال بعض العلماء رحمه الله: فإن سألتم عن أرض الجنة وتربتها؛ فهي المسك والزعفران.
وإن سألتم عن سقف الجنة؛ فهو عرش الرحمن، وإن سألتم عن بلاط الجنة؛ فهو المسك الأذفر.
وإن سألتم عن حصبائها؛ فهي اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألتم عن بنائها؛ فلبنة من فضة ولبنة من ذهب.
وإن سألتم عن أشجار الجنة؛ فما منها من شجرة إلا وساقها من ذهبٍ وفضة، لا من الخشب.
وإن سألتم عن ثمارها؛ فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وإن سألتم عن ورقها؛ فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألتم عن أنهار الجنة؛ فكما وصفها الله: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:١٥] وإن سألتم عن طعامهم وشرابهم في الجنة {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:٢٠ - ٢١] يشربون فيها الرحيق المختوم بالمسك، الممزوج بالزنجبيل والكافور.
وإن سألتم عن تلك الآنية التي يشربون بها؛ فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألتم عن عدد أبواب الجنة؛ فأبوابها ثمانية، وإن سألتم عن سعة أبوابها؛ فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ من الزحام.
وإن سألتم عن تصفيق الرياح لأشجار الجنة؛ فإنما تستفز بالطرب لمن يسمعها.
وإن سألتم عن ظلها؛ ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السير في ظلها مائة عام لا يقطعها.
وإن سألتم عن خيامها وقبابها؛ فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألتم عن ارتفاعها؛ فانظروا إلى الكوكب الدري الغابر في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، والجنة درجات، وما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، الله أكبر!
وإن سألتم عن لباس أهل الجنة؛ فهو الحرير والسندس والإستبرق.
وإن سألتم عن حليهم في الجنة؛ فالذهب والفضة.
وإن سألتم عن فرشهم في الجنة؛ فبطائنها من إستبرق، مفروشة في أعلى الرتب.
وإن سألتم عن أرائكها؛ فهي الأسرة عليها المشْغَامات.
وإن سألتم عن وجوه أهل الجنة وحسنهم؛ فهي على صورة القمر ليلة البدر.
وإن سألتم عن أبناء أهل الجنة؛ فأبناء ثلاثة وثلاثين على صورة آدم أبي البشر.
وإن سألتم عن سماع أهل الجنة؛ فهم يسمعون فيها غناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما خطاب رب العالمين.
وإن سألتم عن مطايا أهل الجنة التي يتزاورون عليها؛ فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاءوا من الجنان.
هذه بعض أوصاف الجنة، واسمع إلى هذا الخبر من الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله يقول لأهل الجنة -اللهم اجعلنا نسمع هذا منك يا رب العالمين! يا أكرم الأكرمين! يا أجود الأجودين! -: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً}.