لما امتثل أبونا إبراهيم عليه السلام طاعة الله {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات:١٠٣] ألقاه على وجهه ليذبحه، قال بعض المفسرين: أراد أن يذبحه من قفاه؛ لئلا يشاهده في حال ذبحه, ثم تأخذه رحمة الأب بابنه, وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جنبه لاصق بالأرض, وسمّى إبراهيم، وكبِّر وتشهد الولد للموت, وجعل إبراهيم يمر السكين على حلق إسماعيل, فلم تقطع شيئاً، يقول بعض المفسرين: جعل الله بين السكين والحلق نحاس، أو جعل الله قدرته القادر على كل شيء ألا تضره السكين، فعند ذلك نودي من قبل الله:{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}[الصافات:١٠٤ - ١٠٥] ارفع ابنك عن الأرض, وارفع السكين عن إسماعيل, فقد حصل المقصود من اختبارك يا إبراهيم, وحصلت طاعتك لرب العالمين, ورأينا مبادرتك لربك يا إبراهيم {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}[الصافات:١٠٦] أي: الاختبار الظاهر، ثم قال رب العزة والجلال:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات:١٠٧] أي: جعلنا فداء ذبح ولده إسماعيل ما يسره الله تعالى من العوض وهو كبش أبيض أعلم, أي: عظيم سواد العين أقرن، قال ابن عباس حبر هذه الأمة وترجمان القرآن:[[كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً]].
فإبراهيم عليه السلام لطاعته لله، وامتثال أوامره، سمَّاه الله عز وجلَّ: أمة؛ فقال جلَّ من قائل عليماً:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٠] وكذلك يبعثه الله تعالى يوم القيامة أمة واحدة.
فاتقوا الله -يا عباد الله! - واشكروا الله على نعمة الإسلام, واشكروه على ما أنعم عليكم من هذه النعمة العظيمة أن جعلكم من خير أمة أخرجت للناس, وجعلكم من الأمة الإسلامية التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم.