للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظم حق الوالدين في الإسلام]

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، فصلوات الله وسلامه عليه حيث بلغ البلاغ المبين، ورضي الله عن صحابته أجمعين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله.

أيها المسلمون: أطيعوا الله، وإن من طاعة الله سبحانه وتعالى الإحسان إلى الوالدين، فإن الله سبحانه وتعالى عظَّم حق الوالدين، فقرن حقهما بحقه وشكرهما بشكره، فيا له من أمرٍ عظيم! ويا له من حقٍ كبيرٍ! فاسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يقرر ذلك في محكم البيان فيقول:

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:٢٣ - ٢٤].

الله أكبر! هذا كلام الله جل وعلا ويقول الله سبحانه وتعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:١٤] ويروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين} وسأل ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها.

قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله} وقال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها.

إحداها قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:٣٢] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه، والثانية: قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] فمن صلى ولم يزكِ لم يقبل منه، ومن زكى ولم يصل لم يقبل منه، والثالثة: قول الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:١٤] فمن شكر الله ولم يشكر والديه، لم يقبل منه]].

أيها المسلمون: لنعرف حق الوالدين؛ لأن حقهما عظيم، وأمره خطير، فإن من حقوقهما: الحنو والشفقة عليهما، والتلطف لهما، ومعاملتهما معاملة الشاكر لمن أنعم عليه على أن الفضل للمتقدم.

أيها المسلم: يا من تحب أن تجزى بالإحسان إحساناً! عامل والديك بالإحسان والتلطف بهما، ولا تتأفف من أي شيء تراه أو تشمه من الوالدين مما يتأذى منه الناس، واحذر الضجر والملل، ولا تنغص ولا تكدر عليهما بكلام تزجرهما به، وقل لهما -امتثالاً لأمر الله- قولاً كريماً حسناً طيباً مقروناً بالاحترام والتقدير، ولا ترفع صوتك عليهما، وتذكر -يا عبد الله- عندما كنت طفلاً صغيراً ماذا حصل لك من الرعاية والعطف والحنان واسمع هذا الحديث: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد في سبيل الله معه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد} رواه البخاري ومسلم.

فياله من حق عظيم للوالدين! ومما ورد في الحث على بر الوالدين: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا رسول الله! إني أشتهي الجهاد في سبيل الله ولا أقدر عليه.

فقال له صلى الله عليه وسلم: هل بقي من والديك أحدٌ؟ قال: أمي، قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاجٌ ومعتمرٌ ومجاهدٌ} وقال طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه وأرضاه: {أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني أريد الجهاد في سبيل الله، قال: أمك حية؟ قلت: نعم، قال: الزم رجليها فثم الجنة}.