[نونية القحطاني تتحدث عن مصير المؤمن بعد الموت]
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراًَ.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة في الله! ويا أيتها الأخوات في الله: حياكم الله في هذا المخيم الذين نسأل الله جلَّ وعلا أن يجعله مباركاً، وهذا اللقاء الثاني بعد اللقاء الأول الذي كانت فيها ساعة الصفر، وللموضوع تكملة لساعة الصفر، حتى ندخل في موضوعنا الذي نريد.
أخي في الله! هناك أبياتٌ قالها بعضهم، أبياتٌ شيِّقة، فيها الحث على طاعة الله سبحانه وتعالى، يقول فيها رحمه الله تعالى:
يا من يتابع سيِّد الثقلانِ كن للمهيمن صادق الإيمانِ
واعلم بأن الله خالقك الذي سوى ولم يحتَج إلى إنسانِ
خلق البرية كلها من أجل أن تدعوه بالإخلاص والإذعانِ
قد أرسل الآيات منه مخوفاً لعباده كي يخلص الثقلانِ
وأبان للإنسان كل طريقة كي لا يكون له اعتذارٌ ثاني
ثم اقتضى أمراً ونهياً علها تتميز التقوى عن العصيانِ
ووُلِدْت مفطوراً بفطرتك التي ليست سوى التصديق والإيمانِ
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {كل مولودٌ يولد على الفطرة}.
وبُلِيت بالتكليف أنت مخيرٌ وأمامك النجدان مفتتحانِ
فعملت ما تهوى وأنت مراقبٌ ما كنت محجوباً عن الديَّانِ
ثم انقضى العمر الذي تهنا به وبدأت في ضعفٍ وفي نقصانِ
ودنا الفراق ولات حين تهربٌ أين المفر من القضاء الثاني؟
والتفَّ صحبُك يرقبون بحسرة ماذا تكون عواقبُ الحدَثانِ
واستل روحَك والقلوبُ تقطعت حزناً وألقت دمعها العينانِ
فاحتلَّ أهلَ الدار حزنٌ بالغٌ واجتاح من حضروا من الجيرانِ
فالبنت عَذرا للفراق كئيبة والدمع يملأ ساحة الأجفانِ
والزوج ثكلى والصغار تجمعوا يتطلعون تطلع الحيرانِ
والابن يذهب في جهازك كاتماً شيئاً من الأحزان والأشجانِ
وترى الحديث وقد تساءل بعضهم أوما سمعتم عن وفاة فلانِ؟
قالوا سمعنا والوفاة سبيلنا غير المهيمن كل شيء فاني
وأتى الحديثُ لوارثيك فأسرعوا من كل صوبٍ للحطام الفاني
وأتى المغسل والمكفن قد أتى ليجللوك بحلة الأكفانِ
ويجردوك من الثياب وينزعوا عنك الثياب وحلة الكتَّانِ
وتعود فرداً لست حامل حاجة من هذه الدنيا سوى الأكفانِ
وأتى الحديثُ لوارثيك فأسرعوا فأتوا بنعشٍ واهن العيدانِ
صلوا عليك وأركبوك بمركبٍ فوق الظهور يُحَف بالأحزانِ
حتى إلى القبر الذي لك جهزوا وضعوك عند شفيره بحنانِ
ودنا الأقارب يرفعونك بينهم للحْدِ كي تمسي مع الديدانِ
وسكنت لحداً قد يضيق لضيقه صدر الحليم وصابر الحيوانِ
وسمعت قرع نعالهم من بعدما وضعوك في البيت الصغير الثاني
فيه الظلام كذا السكون مخيمٌ والروح رُدَّ وجاءك الملَكانِ
وهنا الحقيقة والمحقق قد أتى هذا مقام النصر والخذلانِ
إن كنت في الدنيا لربك مخلصاً تدعوه بالتوحيد والإيمانِ
فتظل ترفل في النعيم مرفهاً بفسيح قبر طاهر الأركانِ
ولك الرفيق عن الفراق مسلياً يغني عن الأحباب والأخدانِ
يعني: العمل الصالح.
فتحت عليك من الجنان نوافذٌ تأتيك بالأنوار والرَّيحانِ
وتظل منشرح الفؤاد منعَّماً حتى يقوم إلى القضا الثقلانِ
تأتي الحساب وقد فتحت صحيفةً بالنور قد كتبت وبالرضوانِ
وترى الخلائق خائفين لذنبهم وتسير أنت بعزة وأمانِ
ويظلك الله الكريم بظله والناس في عَرَقٍ إلى الأذقانِ
وترى الصراط وليس فيه صعوبة كالبرق تعبر فيه نحو جنانِ
فترى الجنان بحسنها وجمالها وترى القصور رفيعة البنيان
طب في رغيد العيش دون مشقة تكفي مشقةُ سالف الأزمانِ
والبس ثياب الخلد واشرب واغتسل وابعد عن الأكدار والأحزانِ
وانظر إلى الأنهار واشرب ماءها من فوقها الأثمار في الأفنانِ
والشهد جارٍ في العيون مطهرٌ مع خمرة الفردوس والألبانِ
والزوج حورٌ في البيوت كواعبٌ بيضُ الوجوه خوامص الأبدانِ
أبكارٌ شِبْه الدر في أصدافه واللؤلؤ المكنون والمرجانِ
وهنا مقرٌ لا تَحُوُّل بعده فيه السرور برؤية الرحمنِ
أما إذا ما كنت فيها مجرماً متتبعاً لطرائق الشيطانِ
نعم.
أي: في الدنيا.
نسأل الله العفو والعافية، هذه حال الكثير من الناس في هذه الأزمنة تتبعوا طرائق الشيطان والعياذ بالله!