[صفات المجتمع الراشد]
الحمد لله يهدي إلى الحق ومنهاج السداد، أحمده سبحانه شرع لعباده الأمر بالمعروف لإقامة الحجة ودرء الفساد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وضَّح المعالم لطريق الرشاد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن المجتمع الصالح الراشد المسدد هو المجتمع الذي يتعاون أفراده على الخير، وتتظافر جهودهم لدفع الشر ونفي الخبث والأخذ على يد الظالم، وذلك ما ينطبق تمام الانطباق على المجتمع الإسلامي الصالح فهو الذي وصف الله واقعه بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٧١].
فأوضح الله سبحانه عوامل الصلاح والرشاد؛ وهو الأخذ في سبل الطاعة وفي تطبيقها، وفي مقدمتها أداء الفرائض، ومن أهمها: الصلاة الصلاة يا أمة الإسلام! الصلاة يا عباد الله! وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأسس الصحيحة التي وصفها الإسلام، وأمر بها وشجع عليها بقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].
فعلينا -أمة الإسلام- جميعاً مسئولية عُظْمى حمَّلها، رسول الهدى كل فرد في الأمة حسب إمكانياته، ففي القيام بها سلامة المجتمع، والإبقاء عليه.
فاتقوا الله -عباد الله! - ولتتظافر منكم الجهود، ولتصح العزائم للأخذ في سبل الإصلاح، والقضاء على الفساد في مهده: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.
اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، اللهم اجعلنا هداة مهتدين.
عباد الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ويقول سيد البشرية: {من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم انصر من نصر الإسلام وأهله، واخذل من أراد للإسلام خذلاناً وأهله، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم ارزقه الجلساء الصالحين الناصحين؛ الذين يدلونه على الخير ويأمرونه به ويحثونه عليه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أئمة وولاة المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وفقنا وإياهم جميعاًً للحكم بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، اللهم ارفع عنا وعن جميع المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم رب محمد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام اغفر لنا ذنوبنا، وأذهب غيظ قلوبنا، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١]} رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣] اللهم إن نسألك توبة نصوحاً، تطهر بها قلوبنا وتمحص بها ذنوبنا إنك سميع الدعاء، مجيب لمن دعاك يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:٩٠ - ٩١] واذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.