وقسم من الناس توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال:٥٠].
أمة الإسلام: تذكروا إذا حُملتم إلى القبور، فانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال والقصور، فارقتم الفلل، فارقتم الفرش، فارقتم الكنبات، جليسكم فيها الأعمال، موسَّدون التراب، مفترشون التراب، قد صُفت عليكم اللبنات، فإما خيرٌ تسرون به إلى يوم القيامة، وإما شرٌ تجدون به الحسرة والندامة.
ثم تذكروا إذا {نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى}[الزمر:٦٨] فإذا نحن قيام من القبور، ننفض التراب من رءوسنا، حفاة، عراة، غُرْلاً، في {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس:٣٤ - ٣٦] في يوم يُجمع فيه الأولون والآخِرون في صعيد واحد، في ذلك اليوم، يوم التغابن، ووالله يوم التغابن، ليس التغابن -يا عباد الله- في نيل عرض من الدنيا، أو توسيع الفلل وارتفاع القصور، فإنما {الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ}[الحديد:٢٠] تزدهر قليلاً، ثم تزول سريعاً.
فتنافسوا -أيها المسلمون- في أعمال الآخرة، لتدركوا الأجر العظيم في يوم القيامة، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:١ - ٢].
اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، واجعل القبر لنا بعد منازل الدنيا أفسح المنازل، وآمِن خوفَنا يوم الفزع الأكبر، واجعلنا ممن يأخذ كتابه بيمينه يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أٌقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه ثم توبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.