[إصابة النبي صلى الله عليه وسلم ودفاع الصحابة عنه]
تولى الصحابة وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه صلى الله عليه وسلم وكسروا رباعيته اليمنى وكانت السفلى، وهشموا البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم، ورموه بالحجارة حتى وقع لشقه وسقط في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين، فأخذ علي رضي الله عنه بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنه طلحة بن عبيد الله.
وكان الذي تولى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن قمئة، وعتبة بن أبي وقاص.
وقُتِل مصعب بن عمير الذي معه لواء المسلمين، قتل ذلك الشاب وخر صريعاً شهيداً في سبيل الله، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء إلى علي بن أبي طالب، ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما في وجهه صلى الله عليه وسلم، وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته صلى الله عليه وسلم وقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: مجه -أي: اتفل هذا الدم- فتحسف أن يتفل دم رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتلعه فقال: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.
ياله من ابتلاء وقع للمسلمين، تكالبت أيدي المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريدون ما الله حائل بينهم وبينه، فحال الله عز وجل دونهم وما يريدون، حال دونهم الله عز وجل ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم حال دونه نفر من المسلمين نحو عشرة حتى قتلوا، ثم جالدهم طلحة حتى أجهضهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترس أبو دجانة عليه بظهره والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك رضي الله عنه وأرضاه، وأصيبت يومئذٍ عين قتادة بن النعمان وسقطت فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها بيده فردها مكانها وكانت أصح عينيه وأحسنهما.
وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمداً قد قتل، ووقع ذلك في قلوب كثيرٍ من المسلمين وفر أكثرهم، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين وكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه أن اسكت واجتمع إليه المسلمون ونهضوا معه إلى الشِعْب الذي نزل فيه، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعلي، والحارث بن الصمة الأنصاري، وغيرهم.
فلما استندوا إلى الجبل أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف على جوادٍ له يقال له: العود، زعم عدو الله أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب منه عدو الله تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة فطعنه بها فجاءت في ترقوته فخر عدو الله منهزماً، وكان يعلف فرسه بنفسه ويقول: أقتل عليه محمداً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال:{بل أنا أقتله إن شاء الله تعالى} فلما طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر عدو الله قوله: أنا قاتله؛ فأيقن بأنه مقتول من ذلك الجرح فمات منه في طريقه وهو راجع إلى مكة.
وجاء علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماءٍ ليشرب منه، فوجده آجناً فرده وغسل عن وجهه الدم صلى الله عليه وسلم، وصب على رأسه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو صخرة هنالك، فلم يستطع لما به من الجراح فجلس طلحة تحته حتى صعدها وحانت الصلاة فصلى بهم جالساً صلى الله عليه وسلم.
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم تحت لواء الأنصار.