ابن آدم! تذكر شدة الوقوف، وقد أُدنيت الشمس من رءوس الخلائق، وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس، وازدحام الأجساد، وقد ذهب العرق منهم في الأرض سبعين ذراعاً، ثم فاض عليهم العرق، فمنهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتَيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وانضاف إلى حر الشمس كثرة الأنفاس، وازدحام الأجساد، والعطش تضاعف، ولا نوم ولا راحة، فيا له من يوم عظيم شأنُه! يوم ترى السماءُ فيه قد انفطرت، والكواكب انتثرت، والبحار سُجِّرت، والنجوم انكدرت، والشمس كوِّرت، والجبال سيِّرت، والعشار عُطِّلت، والوحوش حشرت، والنفوس زوِّجت، والجحيم سعِّرت، والجنة أزلفت، والجبال نسفت، والأرض مُدَّت؛ مُدَّت كالأديم.
ذلك يوم القيامة، وقد أخبر الله جلَّ جلالُه فقال:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:٤٨].
ابن آدم! تذكر ذلك اليوم العظيم، قال بعضهم رحمه الله تعالى:
مثل لقلبك أيها المغرورُ يوم القيامة والسماء تمورُ
قد كُوِّرت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تخورُ
وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسيرُ
وإذا النجوم تناثرت وتكدَّرت وتبدلت بعد الضياء كُدورُ
وإذا العشار تعطلت عن نغلها خلت الديارُ فما بقى مغرورُ
وإذا الوحوش لدى القيامة أُحضرت وتقول للأملاك: أين نسيرُ؟!
فيقال: سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد حضرت الأمورُ