الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، ولازموا طاعة مولاكم في السر والعلانية.
أمة الإسلام: يا أمة التوحيد! يا أمة القرآن! هاأنتم تودِّعون شهر رمضان المبارك الذي كان ميدان تنافسٍ للصالحين بأعمالهم، ومجال تسابق للمحسنين بإحسانهم، وعامل تهذيب النفوس المؤمنة، روضها على الفضيلة، وارتفع بها عن الرذيلة، وأخذت فيه دروساً للسمو الروحي، والتكامل النفسي، فجانبت كل قبيح، واكتسبت فيه كل هدى ورشاد، فيجب على تلك النفوس المؤمنة أن تستمر على نهج الهدى والرشاد، والاستقامة على طاعة المولى جلَّ وعلا كما كانت في رمضان، فإن في دوامها على ذلك الهدى والرشاد والاستقامة نعيم الصالحين، وإرضاء رب العالمين.
أمة الإسلام: ليس للطاعة زمنٌ محدودٌ تنتهي بانتهائه، ولا للعبادة أجلٌ معينٌ، بل العبادة هي حق الله على العباد {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٦ - ٥٨] نعم يا عباد الله! الله جلَّ وعلا لم يخلقنا ليستكثر بنا من قلة، ولا ليستقوي بنا من ضعف، بل خلقنا لطاعته، خلقنا لابتلاءٍ وامتحان، خلقنا للعبادة.
والعبادة: هي حقٌ لله يقوم بها العباد في جميع الأوقات، ويشغلون بها فرص الحياة، ويقطعون بها سويعات العمر، فالعبد الذي يقطع مرحلة الحياة في طاعة الله، وفي مرضاة الله، هو من أوليائه المتقين الذين وعدهم الله بعظيم الأجر، وسابغ الفضل، حيث يقول وهو أصدق القائلين:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[المرسلات:٤١ - ٤٤] هكذا يجزيهم المولى جلَّ وعلا، هكذا يجزيهم رب العالمين أحكم الحاكمين وأعدل العادلين؛ لأنهم عاملوه معاملة العارفين الذين عرفوه حق المعرفة، فقدروه حق قدره، وقاموا بحقه حق القيام، فجازاهم بما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جازاهم في دار الكرامة، في دار النعيم، في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، فهنيئاً لهم تلك الكرامة في جوار إله الأولين والآخرين.
فيا أرباب الهمم العالية: ويا مَنْ قد تفضل عليهم المولى جلَّ وعلا بإتمام صوم رمضان! وأسبغ عليهم العفو والغفران، وكتب لهم العتق من النيران، يا مَنْ تفضل عليهم المولى جلَّ وعلا بإتمام الصيام والقيام، وأسبغ عليهم العفو والغفران وكتب لهم العتق من النيران! واصلوا الإحسان بالإحسان، واصلوا الإحسان بالإحسان، واصلوا الإحسان بالإحسان، واتقوا ربكم، فإن من تقواه المداومة على عمل البر والإحسان، واعزموا عقد النية على التزام المسلك الراشد الذي التزمتموه في رمضان، فإنه من المؤسف جداً يا عباد الله انهزام تلك الصفوف، إنه من المحزن جداً أن البيوت مليئة بالناس، ولا يرون في المساجد إلا في رمضان، ثم بعد رمضان ينتكسون ويعودون من طاعة المولى جل وعلا إلى طاعة الشيطان، فإنهم في ذلك الفعل الوخيم قد عصوا جبار السماوات والأرض، قولوا لهم يا عباد الله! قولوا لهم يا من تجاورونهم! قولوا لهم يا من تجتمعون بهم! بلغوهم إن كانوا يقبلون المواعظ قبل أن ينزل بهم هادم اللذات، بلغوهم، قولوا لهم: إن كنتم تؤدون الصلاة في رمضان طاعةً لله، فداوموا على طاعة الله، أما إن تركتم الصلاة، ولم تؤدوها بالكلية، فقد كفرتم بالله العظيم.