الحمد لله المتفرد بالجلال والبقاء والعظمة والكبرياء، والعز الذي لا يرام، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الملك الذي لا يحتاج إلى أحد، العلي عن مداناة الأوغاد، الجليل العظيم الذي لا تدركه العقول والأفهام، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته، فكل من عليها مفتقرٌ إليه على الدوام، وفق من شاء من عباده فآمن به واستقام، وحكم على آخرين بالشقاوة فباءوا بالطرد والحرمان، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عز من اعتز به فلا يضام، وذل من تكبر عن طاعته ولقي الآثام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه وتحفظونه هو كلام ربكم رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، وهو الذكر المبارك، والنور المبين، تكلم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته، وألقاه على جبريل الأمين، أحد الملائكة الكرام المقربين، فنزل به على قلبِ محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون من المنذرين بلسانٍ عربي مبين، ووصفه الله بأوصاف عظيمة لتعظموه وتحترموه.
عباد الله: في القرآن عبرة لمن اعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر، فيه أخبار الأنبياء والمرسلين مع أممهم، ولقد سمعتم في الجمعة الماضية قصة نوح عليه السلام، وأنه أول رسول أرسله الله إلى قومه يدعوهم إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يجدِ فيهم، فدعا عليهم فأغرقهم الله جميعاً إلا من ركب مع نوحٍ في السفينة.
ثم بعث الله من بعد نوحٍ وقومه أمة أخرى قصهم الله علينا في القرآن العظيم، وهم عاد قوم هود عليه السلام، قال الله جل وعلا:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}[الأعراف:٦٥ - ٦٨].