من أسباب الحياة السعيدة حفظ القلب الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ألا وإن في الجسد مضغة} مضغة صغيرة، هذا القلب الذي بقدر ما يمضغ الإنسان قطعة اللحم {ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله}.
بأي شيء يصلح هذا القلب؟
القلب يصلح إذا ملئ بالإيمان، إذا ملئ بذكر الله عز وجل، إذا استقام على طاعة الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن القلب هو الملك المسيطر على الأعضاء، القلب هو الذي تأتيه الإخبارية من العينين ومن الأذنين ومن اللسان، ثم القلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه نسأل الله العفو والعافية.
فالقلب يحتاج إلى حفظ، يحفظ من الشيطان؛ لأن الشيطان يدخل على القلب، الخناس قيل إنه مثل الحية يلتوي على القلب فإذا ذكر الله العبد انخنس أي: اختفى وابتعد عن القلب، أما إذا غفل فإن الغفلة تطم على القلب، وتزداد عليه الغفلة، وكذلك يطبع عليه ثم يكون من القلوب التي طُبع عليها في قوله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤].
المكاسب لها دخلٌ في القلب يا عبد الله، المكسب الحرام له دخلٌ في القلب، فعليك أن تطيب مكسبك حتى تستجاب دعوتك كما ذكرت لك في الكلام السابق.
أيضاً: القلب جوهرة عظيمة منحها الله لبعض العباد، وحفظ القلب والله إنه من السعادة؛ لأنك إذا دخلت فيمن مدحهم الله في كتابه، حيث قال: أولو الألباب، ومن الأمور التي مدح بها أولو الألباب أنهم كانوا يتفكرون في خلق السماوات والأرض، قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[آل عمران:١٩١].
أولو الألباب: القلوب النظيفة، قلوبهم تدلهم على عظمة الله سبحانه وتعالى وعلى وحدانيته، وعلى انفراده بالملك والخلق والإيجاد والتدبير {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الجاثية:٣٦ - ٣٧].
فهنيئاً للمتقين فهم السعداء الذين يعملون بالتنزيل وهو القرآن العظيم، يؤمنون أنه كلام الله عز وجل وجل، منزل غير مخلوق، يعملون بالمحكم منه ويؤمنون بما تشابه منه، ويصدقونه على الوجه المطلوب، فهؤلاء يكونون من أهل السعادة؛ لأنهم التزموا بما التزم به أهل السنة والجماعة، مستسلمين ومنقادين لأوامر القرآن ولنواهيه استجابة لقول الحق جل وعلا:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام:١٥٣] ومستجيبين لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:١٠٣] ومعتصمين أيضاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الحج:٧٧ - ٧٨].
فالسعادة -أيها الإخوة في الله- كل السعادة في التمسك بكتاب الله جل وعلا، والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم.